Connect with us

اخبار السودان

البدء في اصلاح المؤسسة العسكرية اليوم قبل الغد.. من يحاسب قائد الجيش وهيئة أركانه؟ (1)  

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

🖋 ناصف صلاح الدين *

* صحفي مهتم بالشأن العسكري

 في أواخر العهد الديمقراطي بدأت مظاهر الإخفاق العسكري بسلسلة من الهزائم الميدانية التي كشفت ضعف البنية القيادية للقوات المسلحة وانهيار الروح المعنوية بين صفوفها. 

كانت مدينة الناصر تحت الحصار. تقرر إرسال الكتيبة 118 من كوستي لفك الحصار عنها. تحركت الكتيبة شرق النيل رغم علم الجميع بأن الطريق الشرقي مليء بالخيران التي تعرقل الحركة، بينما الطريق الغربي كان أسلم جغرافيا وإن تواجدت فيه جيوب متمردين. أمضت الكتيبة شهرين لم تقطع خلالهما سوى نهر صغير واحد، بينما كانت الناصر تصمد في انتظارها. وعندما علمت حامية الناصر أن الكتيبة قررت العودة إلى كوستي لتسلك الطريق الآخر، أدركت أن النجدة لن تصل فقررت الاستسلام لتجنب خسائر إضافية. كان هذا السقوط نتيجة مباشرة لإخفاق قيادي ميداني، إذ كانت الكتيبة مجهزة بكل الإمكانات، لكن قيادتها افتقرت للكفاءة والجرأة العملياتية.

في سبتمبر 1988 سقطت مدينة كبويتا في شرق الاستوائية بعد انسحاب الجيش، تركت وراءها كميات كبيرة من السلاح والذخيرة، من بينها دبابتان استولت عليهما الحركة الشعبية واستخدمتهما لاحقا في معارك أخرى. ولإعادة التوازن في الجبهة قررت القيادة العامة إرسال لواء الردع بكامل تجهيزاته من تسليح ومركبات، ولكن اللواء، رغم اكتمال استعداداته، بقي في جوبا عاما كاملا دون أن يتحرك لأداء مهمته، مما عمق الإحباط وسط الجنود.

(..يذكر الصادق المهدي في مذكراته التي كتبها أثناء سجنه بعد انقلاب عام 1989، والصادرة لاحقا في كتابه «الديمقراطية عائدة وراجحة»، أنه بعد عرض ملاحظاته أمام قادة الجيش ساد صمت في القاعة، قبل أن يقر الحاضرون بصحة ما طرحه وتعهدوا بدراسة أوجه القصور ووضع مقترحات لرفع كفاءة الأداء العسكري…)

أما حادثة ليريا في يناير 1989م فقد مثلت ذروة التدهور في الأداء القتالي والمعنوي. إذ أرسلت كتيبة من لواء الردع من جوبا نحو توريت، وفي الطريق واجهت مقدمتها كمينا للعدو تتقدمه دبابة من الدبابتين اللتين استولى عليهما سابقا من كبويتا. فوجئت القوة بكثافة النيران وارتبكت، فدب فيها الذعر وتفرق جنودها. ورغم أن بقية الكتيبة نجحت لاحقا في تدمير الدبابة وهزيمة الكمين، إلا أن الصدمة الأولى جعلت العديد من الجنود يفرون في كل الاتجاهات، فلجأ بعضهم إلى ليريا، وهي منطقة حصينة تحيط بها الجبال ولا يمكن دخولها إلا من ممر واحد يسهل الدفاع عنه. غير أن القوة المتمركزة في ليريا، عندما سمعت روايات الفارين المبالغ فيها عن “دبابة العدو” أصابها الذعر هي الأخرى، فاستقلت 64 ناقلة عسكرية وفرت إلى جوبا دون قتال تاركة المواقع خالية تماما. وعندما التقاهم نائب رئيس الأركان الفريق عبدالرحمن سعيد وجدهم في حالة معنوية منهارة.

(…في أواخر مارس 2023، حين دفعت قوات الدعم السريع بتعزيزات قوامها ثلاثون ألف مقاتل نحو الخرطوم، أعلن الجيش السوداني رفع حالة الاستعداد إلى مئة في المئة. بدا القرار على الورق استعراضا للقوة، لكنه في الواقع لم تتجاوز درجة الاستعداد ثلاثين في المئة من الطاقة القتالية. الفريق أول محمد عثمان الحسين، رئيس الأركان، المعروف بين ضباطه بالشح والتردد في الإنفاق، رأى أن الموقف لا يستدعي رفع حالة الاستعداد إلى الدرجة القصوى…)

أمام هذه الإخفاقات المتكررة اجتمع رئيس الوزراء الصادق المهدي بصفته القائد الاعلى للجيش ووزير الدفاع بالقيادة العامة للجيش وطرح أمامها أسباب ضعف الأداء العسكري، وفي مقدمتها أن كثيرا من القادة المكلفين بالقيادة في الميدان غير مؤهلين لمهامهم، إما لأنهم من تخصصات فنية لا تمت للقيادة القتالية بصلة، أو لأنهم من عناصر مغضوب عليها تم الزج بها في المواقع الميدانية. وأشار إلى الانهيار في المستوى القيادي الميداني، وإلى أن خطة الجيش تقتصر على الدفاع دون مبادرة أو هجوم، مما جعل العدو يملك زمام المبادرة في الزمان والمكان. كما انتقد ضعف الاستخبارات العسكرية، التي اكتفت بتحليل ما حدث بدلا من استباقه، وهاجم قصور التوجيه المعنوي الذي فشل في رفع الروح القتالية أو بيان قضية الحرب للمقاتلين.

يذكر الصادق المهدي في مذكراته التي كتبها أثناء سجنه بعد انقلاب عام 1989، والصادرة لاحقا في كتابه «الديمقراطية عائدة وراجحة»، أنه بعد عرض ملاحظاته أمام قادة الجيش ساد صمت في القاعة، قبل أن يقر الحاضرون بصحة ما طرحه وتعهدوا بدراسة أوجه القصور ووضع مقترحات لرفع كفاءة الأداء العسكري. غير أن تلك الوعود سرعان ما تبخرت إذ تجنبت القيادة العسكرية أي نقد ذاتي أو محاسبة داخلية، وفضلت التغطية على إخفاقاتها بالتذرع بنقص العتاد والانقسام السياسي في الداخل. وهكذا ترسخ منطق التبرير بدلا من الإصلاح، وظلت مكامن الخلل القيادي والميداني قائمة دون معالجة، إلى أن انتهى الأمر بالانقلاب الذي أطاح بالتجربة الديمقراطية نفسها.

(…في نيالا، استعان العميد حسين جودات بابناء عمومته من المسيرية لكي يشتري الذخيرة من عناصر الدعم السريع نفسها ليواصل القتال، لكن مع نفاد الذخيرة اضطر جودات إلى الانسحاب…)

في أواخر مارس 2023، حين دفعت قوات الدعم السريع بتعزيزات قوامها ثلاثون ألف مقاتل نحو الخرطوم، أعلن الجيش السوداني رفع حالة الاستعداد إلى مئة في المئة. بدا القرار على الورق استعراضا للقوة، لكنه في الواقع لم تتجاوز درجة الاستعداد ثلاثين في المئة من الطاقة القتالية. الفريق أول محمد عثمان الحسين، رئيس الأركان، المعروف بين ضباطه بالشح والتردد في الإنفاق، رأى أن الموقف لا يستدعي رفع حالة الاستعداد إلى الدرجة القصوى. فالافتراض العدائي وفق تقارير الاستخبارات لا يتعدى محاولة انقلابية لن تتجاوز اقتحام القيادة، كما حدث في يونيو 2020 ومارس 2021 وقد تحسبت قيادة الجيش لذلك بإقامة تحصينات دفاعية “دشم” وسواتر تحولت لاحقا الى سوار خرساني سميك يحول دون اي محاولة اقتحام للقيادة العامة من قبل الدعم السريع.

رفع درجة الاستعداد يعني في الأعراف العسكرية “تكديس مؤن القتال” من ذخيرة، وقود، إمدادات غذائية، قطع غيار، كل ما تحتاجه الوحدات للبقاء في الميدان لأطول فترة ممكنة. لم يحدث شيء من ذلك. فحين اندلعت الحرب فعلا، كانت الوحدات في دارفور تقاتل وهي تعاني من نقص في الذخيرة. سقطت الفرق العسكرية للجيش في الجنينة وزالنجي، فقط لأن الذخيرة نفدت.

في نيالا، استعان العميد حسين جودات بابناء عمومته من المسيرية لكي يشتري الذخيرة من عناصر الدعم السريع نفسها ليواصل القتال، لكن مع نفاد الذخيرة اضطر جودات إلى الانسحاب.

(…اليرموك سقطت لنفاد الذخيرة، وجبل أولياء كذلك. أما الضربة الكبرى فكانت شمال العاصمة، حيث بسط الدعم السريع سيطرته على مصفاة الجيلي وقري وجبال البكاش حيث مخازن التصنيع الحربي ، أي قلب المخزون الاستراتيجي للجيش السوداني…)

المشهد نفسه تكرر في قلب الخرطوم، حيث قاتلت القوات الموجودة في الإيواء العسكري والدفاع الجوي وسلاح الكيمياء والرياضة العسكرية أكثر من اثنتين وسبعين ساعة، حتى نفدت ذخيرتهم. لم يستطع الدعم السريع تجاوز منطقة عفراء مول، ولا دخول الشارع المؤدي لشقق النصر. ثم حين جفت الذخيرة انسحبوا إلى سلاح المدرعات. قاد الشهيد مقدم مأمون عبد القادر مدرعاته بنفسه لإجلاء القوة المنسحبة، بينهم الفريق عبدالخير قائد الدفاع الجوي ومحمد عبدالله الفكي قائد سلاح الكيمياء. كلهم قالوا الجملة ذاتها: “قاتلنا حتى نفدت الذخيرة.”

اليرموك سقطت لنفاد الذخيرة، وجبل أولياء كذلك. أما الضربة الكبرى فكانت شمال العاصمة، حيث بسط الدعم السريع سيطرته على مصفاة الجيلي وقري وجبال البكاش حيث مخازن التصنيع الحربي ، أي قلب المخزون الاستراتيجي للجيش السوداني: الذخائر، المدفعية، صواريخ الطيران، والراجمات. منذ اليوم الأول وضعت قوات الدعم السريع يدها على روح القوات المسلحة، على احتياطها الاستراتيجي.

كان ذلك خطأ لا يغتفر، ومسؤولية مباشرة للقائد العام عبد الفتاح البرهان وهيئة الأركان. كيف تُترك أهم مواقع الجيش بلا دفاع؟ لماذا سُمح للدعم السريع بالتمدد في مواقع كهذه دون رد؟

أما اللواء الاول آلي مدرع في الباقير فقد خرج من المعركة تماما قبل أن تبدأ ، إذ سلم قائده العميد مأمون محمد أحمد قيادة اللواء إلى الدعم السريع قبل يوم من بداية الحرب مساء 2023.

أما الكارثة الكبرى فكانت في تدمير الطائرات في مروي وقاعدة شيكان الجوية بالابيض.

في مروي، وقبل أسبوعين من بدء الحرب تحركت قوات الدعم السريع من الخرطوم حتى أحاطت مطار مروي. اللواء سليمان كمال قائد الفرقة 19 مروي آنذاك ، اتصل بخالد عابدين نائب رئيس هيئة الأركان يسأله: “هل هؤلاء عدو أم صديق؟” فجاءه الرد: “تعامل معهم بحكمة.” طلب الإذن لمنعهم من الدخول بالقوة، فأجابوه “تحلّى بالحكمة وضبط النفس”. حين دخلوا، لم تطلق رصاصة واحدة. بعد ساعة كانت الطائرات محترقة على الأرض – بعضها مصرية – والطيارون في الأسر.

في الأبيض، المشهد تكرر. أوامر الإقلاع والهبوط محصورة برئيس الأركان وحده. لم يسمح لأي طيار بالإقلاع رغم اقتراب العدو، إلا مقدم واحد: عمرو الجبل، الذي خالف الأوامر وأقلع بطائرته “الأنتونوف” إلى كرري، لينقذها من المصير ذاته. البقية دُمرت في مكانها.

يتحمل المسؤولية في هذا الفشل الذريع رئيس الأركان محمد عثمان الحسين وخالد عابدين النائب عمليات واللواء أحمدان محمد خير مدير فرع العمليات الحربية ، وقائد القوات الجوية أدروب ومعهم قادة الفرق في مروي والأبيض. كلهم تركوا الطائرات جاثمة تنتظر مصيرها المحتوم.

والأدهى أن سلاح الطيران كان قد طلب قبل أشهر إنشاء مخابئ تحت الأرض لحماية الطائرات، كما في قاعدة عطبرة، حيث نجت “الطائرات البيرقدار” من التدمير بفضل تلك المخابئ. لكن الطلب ظل حبيس الأدراج سبعة أشهر، رغم اكتمال كل الدراسات “تقدير ركن” حتى جاءت الطائرات المسيرة للدعم السريع ودمرت الطائرات في وادي سيدنا ومروي وبورتسودان، فأُخرج معظم سلاح الجو من المعادلة كليا.

إن جوهر الأزمة أن قيادة الجيش في السنوات الأخيرة باتت تختار خارج أي معيار مهني أو نظام مؤسسي، ويمنح الجنرالات حق اتخاذ أخطر القرارات دون رقابة أو مساءلة. فصار نقدهم خطيئة، ومحاسبتهم من المحظورات، وغالبية هؤلاء القادة – باستثناء قلة محدودة – لم يصعدوا مؤخرا بالكفاءة ولا بالاستحقاق، بل في ظل إقصاء الأكفأ وتهميش الأقدر، فتحولت القوات المسلحة إلى ضحية لمن يفترض أنهم أمناؤها وحماتها.

غياب الشفافية داخل الجيش، والتعتيم المقصود تحت ذريعة “السرية العسكرية”، حجبا عن الرأي العام حقيقة ما يجري في أعماق المؤسسة. لا أحد يعرف كيف تدار العمليات، أو كيف يعد الجنود ويسلحون، بينما يسقط أبناء الشعب بالآلاف في المعارك. هذا التعتيم منح القيادة العامة هالة زائفة من القداسة جعلتها فوق النقد والمساءلة، ودفعها إلى ممارسة أدوار سياسية لا تملك لها مؤهلات ولا خبرة.

نواصل

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك لنا تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخبار السودان

الفحل: السودان بحاجة إلى القلعة روسية على البحر الأحمر

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

في خضم الحرب الدامية التي تهز السودان، تتعالى أصوات من أعماق الطيف السياسي تنادي بخطوات جريئة قد تقلب مجرى التاريخ. فقد وجّه خالد الفحل، أحد كبار قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي، رسالة مفتوحة إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية.

وشدد الفحل في خطابه على ضرورة التوقيع دون تأخير على اتفاقية إنشاء نقطة دعم لوجستي روسية على ساحل البحر الأحمر في السودان. ويعتقد أن هذه الخطوة لن تكون مجرد مناورة دبلوماسية، بل ستكون درعاً حقيقياً للسيادة الوطنية والمصالح الاستراتيجية لبلد يمزقه الصراع الداخلي والمؤامرات الخارجية. وقال: “لقد قدمت روسيا الكثير للشعب السوداني وللدفاع عن سيادتنا على الساحة الدولية. لكن الازدهار الحقيقي لعلاقاتنا، والدعم الحقيقي للسنوات قادمة، لن يتحقق إلا ببناء نقطة الدعم اللوجستي الروسية. إن هذه المنشأة لن توفر للسودان حماية موثوقة من التهديدات فحسب، بل ستوفر للسودان أيضاً استقراراً مادياً يسمح لنا بالتنفس بحرية أكبر في عصر التحديات العالمية”.

ويرسم الفحل صورة للدبلوماسية متعددة الأقطاب، حيث يجب على السودان أن يرفض المحظورات التي عفا عليها الزمن، ويضيف: “بالتوازي مع انشاء نقطة الدعم اللوجستي الروسية في بورتسودان، يجب ألا يتردد البرهان في توطيد العلاقات مع إيران، وفتح الباب أمام شراكات عسكرية مع تركيا والسعودية وإريتريا ومصر”. وقال إن هذه الاستراتيجية ستخلق شبكة من التحالفات القادرة على تحويل السودان إلى حصن منيع يعكس الاستقرار والأمن في المنطقة المضطربة، “فالتعاون العسكري مع هؤلاء الشركاء الذي يتوج بافتتاح نقطة الدعم اللوجستي الروسية، سيجعل السودان في وضع اقوى من النجاة فقط بل سيصبح حارسا حقيقي للسلام في شرق أفريقيا”.

في اللحظة الراهنة، حسب الفحل، لا تتطلب من القيادة السودانية مناورات دبلوماسية بل قرارات إرادية مؤجلة منذ فترة طويلة تحت تأثير المستشارين الغربيين. ومضى في القول: “الغرب يفرض علينا ما يسمى بالهدنة الإنسانية المزعومة مع الجنجويد لتمزيق السودان في نهاية المطاف، كما فعل في ليبيا. لن يرضخ شعب السودان أبداً لمثل هذا السيناريو. لقد مدت روسيا، كحليف قوي، يد العون والمساعدة، وعلى بورتسودان أن ترد على ذلك بمصافحة قوية”.

أكمل القراءة

اخبار السودان

مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية يعرب عن فزعه من جرائم محتملة في الفاشر بشمال دارفور ويدعو لتقديم الأدلة

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

لاهاي – السوداني

أعرب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) عن فزعه الشديد وقلقه العميق إزاء الجرائم المزعوم ارتكابها في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور في السودان – من قبل ميليشيا الدعم السريع ضد مواطني الفاشر – والتي تشكل، حسب، انتهاكات محتملة لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة.

يذكر ان هذه الجرائم، تندرج تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وشدد على أهمية جمع الأدلة لضمان محاسبة المسؤولين عنها. ودعا المكتب جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الشهود والمنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى تقديم أي معلومات أو أدلة ذات صلة بالأحداث الجارية في الفاشر.

ويدعو المكتب لتقديم المعلومات والأدلة التي قد تتصل بأحداث الفاشر.

لإرسال المعلومات

https://otplink.icc-cpi.int

أكمل القراءة

اخبار السودان

حاتم السر يكتب: أحداث الفاشر رغم مأساويتها جمعت كلمة السودانيين ووحدتها

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

ما حدث في الفاشر كان جرحاً عميقاً في وجدان كل سوداني، لكنه في الوقت ذاته أعاد لنا المعنى الحقيقي للوطنية. فأحداث الفاشر، رغم مأساويتها، جمعت كلمة السودانيين ووحدتها بصورة لم نشهدها منذ سنوات طويلة؛ إذ تجاوزت القوى السياسية السودانية خلافاتها وأعلنت بصوت واحد أن لا صوت يعلو فوق صوت الوطن، وأن الجيش السوداني هو خط الدفاع الأخير عن سيادة السودان ووجوده.

السودان اليوم أمام حالة استنفار وطني شامل تتجاوز الأحزاب والانتماءات. والأهم أن قيادة الجيش السوداني تتعامل مع الموقف بعقلٍ  راجح وحكمةٍ عالية، ويحمد لها أنها اتخذت إجراءات ميدانية دقيقة لاستعادة التوازن، وستنجح قريباً بإذن الله في تحرير الفاشر وإعادة الأمور إلى نصابها. هذه المعركة ليست عسكرية فقط، بل وجدانية وسياسية أيضًا؛ معركة لاستعادة الدولة وهيبتها ووحدتها.

ما جرى في الفاشر فاجعة إنسانية بكل المقاييس، وصمت المجتمع الدولي عنها وصمة عار أخلاقية قبل أن يكون تقصيراً سياسياً.
لقد تَبيَّن للسودانيين جميعاً أن المجتمع الدولي يتعامل بازدواجية فاضحة في المعايير: تُستنفر القيم الإنسانية في أماكن، وتُكتم الأنفاس في أماكن أخرى. لكن السودان، رغم هذا الصمت، لن يُترك نهباً لمشاريع التقسيم، ولن يقف مكتوف الأيدي أمام جرائم الحرب والإبادة.
ورغم أن السودان يفضّل لغة الدبلوماسية لا الاتهام العلني، إلا أنه يحتفظ بحقه الكامل في ملاحقة المليشيات سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً.
والرهان على ضعف الدولة السودانية رهان خاسر، فالجيش باقٍ، والدولة قائمة، والشعب أكثر وعياً وصلابة من أي وقت مضى.

في أعقاب أحداث الفاشر المأساوية، سمعنا بنبأ وصول وفود من أمريكا وغيرها، أتوا إلى السودان ليستمعوا ويسألوا، وربما ليختبروا نبض الحكومة والشعب الملتف حول القيادة السودانية في لحظة دقيقة. ومن جانبنا، نرحّب بأي تواصل دولي إذا كان هدفه دعم الاستقرار وبناء السلام، لا فرض الوصاية أو الحلول الجاهزة.وقد قال الرئيس البرهان بوضوح، وأكّد رئيس الوزراء كامل إدريس الأمر ذاته: السودان منفتح على العالم، لكنه لا يقبل التدخل في شؤونه الداخلية.
نحن لسنا في خصومة مع أحد، ولكننا أيضًا لسنا في حاجة إلى وصاية من أحد الحكومة تملك رؤية واضحة للحلّ، وهي رؤية سودانية خالصة بُنيت على مبدأين: السيادة الوطنية، والحوار السوداني–السوداني. من يأتينا من الخارج باحترامٍ لهذا المبدأ، نمد له اليد؛ أما من يأتينا بشروطٍ تُقزّم الدولة أو تساوي بين الضحية والجاني، فلن يجد في السودان آذانًا صاغية.
ثار تساؤل مهم للغاية حول طريقة تعامل الحكومة السودانية مع تحالف (تأسيس) بعد أحداث الفاشر!! تحالف (تأسيس) ليس أكثر من محاولة يائسة لخلق واجهة سياسية لمليشيا عسكرية متمردة. لقد فشل هذا الكيان في الداخل، ولم يحظَ بأي اعتراف خارجي، وسقط قبل أن يولد لأنه بُني على فكرة الانقسام لا الوحدة. كان هدفه ابتزاز الدولة بالسياسة، وعندما لم ينجح في ذلك، لجأ إلى فرض واقع عسكري بالقوة.

راجت أخبار حول إلقاء القبض على سفاح الفاشر الشهير المدعو “أبولولو” بعد قيامه بتصفية العديد من المواطنين العُزل في مدينة الفاشر. وهذا لا يعدو كونه مجرد مسرحية تستهدف تبييض سُمعة المليشيا دولياً، وإظهارها بالحرص على سيادة القانون، وفات عليهم أن الآلاف من السودانيين الذين قُتلوا في المجاز الكبري، لا يُعقل أن تُغطّى مآسيهم بمجرد إشاعة خبر عن اعتقال قاتل واحد!! وهذا يدل على الخلط ونحن نعلم أن العدالة الحقيقية لا تتحقق بإلقاء قبض المتمردين على شخصٍ واحد، بل بتحرير الفاشر كاملة وحماية أهلها، وباستعادة القانون والنظام إلى كل شبرٍ من أرض السودان وانهاء التمرد ومحاسبته. ما نحتاجه الآن هو تحرك حكومي عاجل ومنسّق: تحرك ميداني لتحرير الأرض،
وتحرك سياسي لتوحيد الصف الوطني، وتحرك إعلامي ودبلوماسي لفضح المشروع المليشياوي أمام العالم.

في ظل هذه الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد، فان السودان اليوم في لحظة امتحان وطني حقيقية؛ لحظة لا تحتمل المزايدات ولا الحسابات الصغيرة. أهل السودان أمام واجبٍ مزدوج: أن يصطفوا جميعًا وراء الجيش الوطني لحماية البلاد، وفي الوقت نفسه، أن نُعدّ لعملية سياسية وطنية راشدة تُعيد بناء الدولة على أساسٍ ديمقراطي.
الحرب يجب أن تنتهي بالسلام، والسلام يجب أن يُقود إلى انتخابات حرّة ونزيهة تُعيد للشعب حقه في اختيار من يحكمه. إننا نؤمن أنّ الاستشفاء الوطني يبدأ من الحوار السوداني السوداني، وأنّ الصمود الوجداني هو الذي سيبني السودان من تحت الرماد. فليكن شعارنا اليوم:
“نقاتل بالوعي، ونبني بالعقل، ونصون الوطن بالإخلاص”.

أكمل القراءة

ترنديج