في القرى المنسية وبالغازات السّامة يُقتل الفقراء، و”الجيش السوداني” ينكر الحقائق.
هناك في أعماق السودان وفي القرى النائية التي سقطت سهواً من الخرائط والقلوب والضمائر، يُضرب الفقراء بالكيماوي، لا لشيء سوى لأنّهم ما يزالوا أحياء وسودانيين من صلب الأرض.
ما ذنب الفقراء،؟!
هل تستحقّ القرى النائية البعيدة أن يصلها الكيماوي قبل أن تصلها الكهرباء والماء والخدمات المدنية البسيطة، وهل لأنّها قرى نائية قد لا تجدها عدسات الكاميرات، ولا يُسمع منها أصوات الضحايا البسطاء أصلاً، هناك ستضيع الأدلّة بشكل مؤكّد، عندما تنتشر رائحة كريهة كرائحة الكلور، كان قد أطلقها الجيش السوداني غازاً سامّاً يحرق الرئتين، ويُعمي العيون، ويُترك ضحاياه يعانون لسنوات بعيدة، ولن يعلم أحد .
لكنّ التقارير السرّية الاستخباراتية وصحف العالم الحرّ قد كشفتهم وفضحت “الجيش” الذي استخدم الكلور مرتين على الأقل، في سابقة خطيرة تذكّر العالم بجرائم نظام الأسد المجرّم في سوريا .
أيها المجرمون، يا من أقسمتم بالذود عن الوطن، هل تريدون قتل الفقراء منّا بلا أثر وبلا شهود …؟!
لكن لماذا الآن..؟ ولماذا تُعلن واشنطن عن عقابها للحكومة السودانية في توقيتٍ بالغ الدقة..؟
قد يكون الجواب المقنع في تحوّلات الميدان، فبعد الذبح والقتل والتنكيل والتمثيل والتعذيب وكل ما يُقال وما لا يُقال، وتمدّد “الجيش السوداني” وحلفائه من الكتائب الإرهابية الإجرامية، واستخدام الطيران الحربي ضدّ المدنيين في الأسواق العامة، قد جاءت العقوبات متأخّرة ولكنها كإنذارٍ أخير: “النصر العسكري لا يعني الحصانة من المحاسبة”. فلا تغتروّا بأنفسكم وأوقفوا الحرب.
لأنّ المأساة لا تقتصر على الضحايا المباشرين فحسب، بل تمتدّ إلى مستقبل البلاد والعباد، فاستخدام الأسلحة الكيمياوية يضع السودان في قائمة الدول المنبوذة، ويُعقّد أيّ مسارٍ سياسي مستقبلي قد يكون لصالحه، والعالم ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية قد أوضح هذا الأمر جيداً للحكومة السودانية، لذلك فرضت واشنطن العقوبات كرسائل تحذيرية صادمة لها أولاً ولكلّ من يُطبّل لهؤلاء المجرمين الآثمين في حقّ السودان وشعبه.
إنّ القرى المنسية تُباد، بالرصاص وبالذبح وبالتعذيب وبالقتل العلني بالحجارة، وبالقنابل وبالكلور والسارين، وبكلّ مواد الخنق التي استخدمت في حروب عالمية يُعاد استخدامها مجدداً في مسارح الموت والفقر والعذاب، وفي السودان المنسيّ بصمت وألم، ويدفن ضحاياها جماعات ولا يعلم عنهم أحد، وإن كان حظّهم جيداً، فسيظهرون كأرقام لمفقودين أو جثث مجهولة .
إبادة جماعية، بلا ضجّة، بلا كاميرات، بلا أطباء يصدّرون التقارير، بلا لجان تحقيق مستقلّة.
وهكذا هو بقية السودان، على شفير هاوية الموت بالمواد الخانقة وبما أسموه بالكوليرا لكنه دائماً كان هو الكيماوي اللعين..