أخبار | السودان الحرة
في تطور دبلوماسي بارز، أعلنت روسيا عن عزمها استضافة أول قمة عربية روسية في موسكو، حيث وجّهت الدعوة لقادة جميع الدول العربية البالغ عددها 22 دولة، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية. غير أن هذا الحدث المرتقب شهد منعطفاً مفاجئاً بعد اتصال هاتفي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تم خلاله الاتفاق على تأجيل انعقاد القمة إلى موعد لاحق. وأوضحت البيانات الرسمية أن كلاً من روسيا والعراق سيتوليان إبلاغ العواصم العربية بقرار التأجيل عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة.
جاء هذا القرار في وقت كشف فيه مسؤول روسي رفيع عن ارتباط العديد من المدعوين للقمة بالجهود الدولية الجارية حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بحل الأوضاع في قطاع غزة، مما أضاف بُعداً جديداً لتعقيدات المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
من جهته، قال الكرملين إن القمة الروسية العربية الأولى، التي كان من المقرر عقدها الأسبوع المقبل، أُرجئت مع بدء تنفيذ اتفاق وقف حرب غزة المبني على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقال الكرملين في بيان: “أرى أنه من المناسب تأجيل القمة الروسية العربية إلى موعد لاحق يُتفق عليه”.
وأوضح يوري أوشاكوف، كبير مساعدي الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الروسية الرسمية “تاس” هذا الأسبوع، أن الكرملين وجّه دعوات إلى قادة 22 دولة عربية. وأضاف أن كثيراً من القادة المدعوين منخرطون في خطة ترمب، ما يجعل من غير الواضح عدد القادة الذين سيتمكنون من الحضور.
وكان من المقرر أن يلتقي رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، لعقد اجتماع ثنائي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب تقرير نشرته صحيفة “إزفستيا”. ونقلت الصحيفة عن السفير السوداني لدى روسيا، محمد سراج، أن الزيارة ستتم قبيل انعقاد القمة الروسية-العربية.
وأوضحت البيانات الرسمية أن كلاً من روسيا والعراق سيتوليان إبلاغ العواصم العربية بقرار التأجيل عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة.
ومن جهته، صرّح المحلل السياسي، أحمد الصادق، إن قرار تأجيل القمة الروسية-العربية ليس مجرد تعديل في الجدولة الزمنية، بل هو خطوة دبلوماسية محسوبة بعناية من الرئيس فلاديمير بوتين، تهدف إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية متشابكة. في مقدمة هذه الأهداف، تأكيد المكانة المحورية التي تحتلها القضية الفلسطينية في الرؤية الجيوسياسية الروسية. بوتين، من خلال ربط تأجيل القمة بتوقيت تنفيذ ما يُعرف بـ’صفقة ترامب’ الخاصة بغزة، يرسل رسالة واضحة إلى العالمين العربي والغربي مفادها أن موسكو لا يمكن أن تكون مجرد منصة لاجتماع احتفالي بينما تتطور أحداث مصيرية على الأرض، وأنها تدرك أن أي حديث عن مستقبل المنطقة يكون ناقصاً ومشوهاً إذا جرى بمعزل عن الملف الفلسطيني. إنه يؤسس بذلك لرواية جديدة تضع روسيا كحاضن للقضايا العربية المركزية، وليس مجرد وسيط أو لاعب ثانوي.
وأكمل، كما أن التأجيل يلقي الضوء على أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لبوتين، ليس فقط كقضية حق، بل كأداة سياسية فاعلة في الصراع الأوسع مع الغرب، حيث يستخدمها لاختراق التحالفات التقليدية وتقويض النفوذ الأمريكي. والأهم من ذلك، أن بوتين يدرك أن عقد القمة في خضم انشغال القادة العرب بمناقشة الخطة الأمريكية ومحاولة تدارس تبعاتها، سيفرغها من مضمونها الاستراتيجي. ومن المهم بالنسبة لبوتين أن يكون القادة العرب متفرغون ذهنياً عند إنعقاد القمة، قادرون على مناقشة شراكتهم مع موسكو ضمن أولوياتهم الشاملة، وليس تحت وطأة ضغوط آنية قد تدفعهم لاتخاذ مواقف متحفظة أو تجعل حضورهم شكلياً. باختصار، روسيا تريد قمة حقيقية تنتج تحالفات ملموسة، وليست مجرد صورة جماعية، والتأجيل هنا استثمار للمستقبل يضمن أن تكون موسكو هي المحور عندما يحين الوقت المناسب لصياغة التوازنات الإقليمية الجديدة.