حكومة السودان تخنق بالغاز الحاضر والمستقبل، وتقتل الضمائر الحيّة .
هذا السودان الوحيد، الذي يُختنق يومياً في زوايا خرائط العالم المنسيّ، وعلى وُقع الحرب العبثية الضارية، تختنق رئات الشعب، تذبل كلّ ملامح النجاة، بخيانة ” الحكومة السودانية” وبضميرها الميت الضلالي، وكأنّ هذه الحكومة الفاشلة لم تُولد سودانية، ولم تأكل العَيْش السوداني، ولم تتنفّس من هواء السودان الذي أصبح هواءً مسموماً قاتلاً، بعد أن لوّثته بأطماعها ومفاسدها التي لا تنتهي.
من ذا الذي يقتل شعبه بالسلاح المميت السّام كأنهم ذباب حائم على سطح الأرض؟! من ذا الذي يُمعن القتل والتنكيل والذبح وبقر البطون والتهجير والترهيب، ويزرع الخوف في كلّ لحظة، باستخدامه لأعتى أنواع التعذيب ضدّ أهله وشعبه وأبناء وطنه ..؟!
ومن كان يتوقّع أن تتصدّر الأسلحة الكيماوية والغازات السامة مشهد التدمير الممنهج، إنها ليست مجرد أسلحة عادية، إنها أدوات فتك جسدي ومجتمعي وبيئي، إنهم يقتلون الطفولة والنساء الحوامل، ويقتلون الذاكرة السودانية الحيّة في كل وجدان سوداني أصيل، ويسأل كلّ سائل اليوم، لمَ هذه المجازر..؟! وما الذي تمّ أخذه بالقوّة منهم، وهل الشعب أخطأ عندما قام بثورته، وهل الشعب أخطأ عندما قال لا للفساد وللظلم والفشل وللنهب وللتعذيب، وهل على الشعب أن يصمت أو يموت، ولم يكن عليه أبداً أن يخرج بثورة ضدّهم حتى لا ينتقمون بالكيماوي كما هو انتقامهم اليوم ..؟!
كم هو هذا السودان وحيد، إزاء الصمت العالمي الكبير، إزاء كلّ شيء يحدث، إزاء المجازر والفظائع وإسقاط كل القيّم الإنسانية العالية والشفافة..؟!
فلم يتوانَ ” الجيش السوداني” وكل المتحالفين معه، مما يُسمّى القوات المشتركة وهم “الميليشيات الإرهابية المتطرّفة” في وصف هذه الفوضى والقتل والنهب والفساد والتهجير والتعذيب والتجويع ونشر الأمراض، بأنه ” استقرار وانتصار”.
ولكن، على من انتصرتم ولأجل من..؟! وكيف يمكنكم إقناع الناس، بأنّ هذه الحكومة المتوحّشة هي دولة آمنة، ولا تزال على بطشها وقلّة حيائها تتغذّى على الدماء وبثّ الرعب والغازات المسمومة .؟!
إنها ليست مجرد حرب مدمّرة، إنها هندسة عجائبية منهجية لتدمير وتفكيك الوطن والمجتمع والإنسان، بقرار سياسي خائف وجبان، اُستخدمت بناءً عليه أسلحة محرّمة فتّاكة، من سلطة ملوّثة بالأحقاد الدفينة والشرور الخبيثة، لتخويف العدو وإبادته سريعاً واسترجاع قصرها الجمهوري وسمعتها أمام جمهورها المغبون، فلول خرجت من تحت الأنقاض لتهدم بمعاول الخراب حصاد الثورة المباركة، وفلول داخل أقبية الظلام تُخطّط للتدمير واسترجاع الماضي المجيد، وفلول في كل مكان، للعودة إلى الحكم، لا يهمّ الثمن، ولكن مهما كان الثمن باهظاً ومكلفاً ، فالعودة إلى المناصب لا بدّ منها، وإلا فإنّ المصير هو السجن والعار.
طريق النجاة من المحاكمة لحكومة السودان وقادتها لم يعد سالماً وصالحاً للرجوع، وخصوصاً بعد ارتكاب كلّ تلك المجازر والجرائم، لم يعد آمناً بحسب اعتقادهم، ولذلك فإنّهم يتمسّكون بالحرب، ويُغذّون جذوتها بكل الوسائل الممكنة، حتى لا يواجهوا مصيرهم المحتوم، مصيريهم الزوال والعار الذي مهما حاولوا لا بدّ وأن يرونه ماثلاً أمامهم، مهما طال بهم الزمان، ومهما تعدّدت السُبل، لكنّه مصير واحد، مصير إلى الجحيم والمجهول بقوّة الحقّ وبقوّة القانون الذي لن يرحم أحداً منهم أبداً، حتى نهايات الزمان.