تحالفات الحكومة السودانية: تحالفات مصالح ودسائس لا تحالفات مخاوف
بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران في أكتوبر 2023، لم تتوقف الأحداث السياسية السريعة، وأصبحت التحالفات بحاجة إلى بُعد نظر أوسع، فالسودان تعاني مع شعبها حرباً عبثية مزّقت أوصالها، ومع ذلك، فقد ذهبت الحكومة السودانية إلى إيران، مبتعدةً عن مسار التطبيع السوداني الإسرائيلي، وفتحت الباب مُشرّعاً أمام طهران لتستغلّ إيران الضعف السياسي والقيادي والعسكري والتشرذم بين قيادات الحكومة السودانية الغير شرعية، والصراع على كعكة المناصب قبل حسم المعارك الدائرة على الأرض، لتعمل إيران بخفاء على تموضع جديد في السودان، وذلك بعد خسارتها الفادحة لكل أذرعتها في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، محاولة إحياء محاولة تعاون استراتيجي قديم مع الحركة الإسلامية في السودان، إلا أنّ الأمر في نظر تل أبيب هو أمر خطير كلياً، لأنها تعتبره نداء خفيّاً للحرب ضدّها وتهديداً مباشراً لأمنها، فإسرائيل، التي تُقطّع أيادي إيران في كلّ مكان، لن تسمح بتمدّد النفوذ الإيراني على شواطئ البحر الأحمر، لذلك فقد بدأت فعلياً في رسم سيناريوهات الضربات الاستباقية، لقطع دابر هذا التمدّد، ولخنق إيران في منطقتها، فأقامت المسار الجوّي الذي رسمته بحسب تقارير استخباراتية، والذي يشمل تحليق طائرات F-16 الإسرائيلية لتحدّ من أطماع إيران بشكل استباقي في أفريقيا، ولتؤمن إمداداتها، ولتمنع إيران من بناء قواعد لوجستية عسكرية إيرانية بكل تأكيد.
ولا يزال من يتحدّث عن تقارير استخباراتية، تُفيد بأنّ الجيش الإسرائيلي، قد يستهدف السودان مباشرة في ضربة قادمة، تشمل جميع مواقع الجيش السوداني وقادته، وذلك على خلفية معلومات تؤكّد تورّط الجيش السوداني، في صفقات أسلحة وطائرات مسيّرة مع إيران، إضافة إلى أسلحة بيولوجية وكيماوية، تمّ تسليمها للجيش السوداني خلال الحرب الأهلية القائمة، ولكن، ولنكن متأكدين بأنّه إذا كانت السفن البحرية الإيرانية تقترب من شواطئ البحر الأحمر، فإنّ طائرات الـ F16 الإسرائيلية لن تقف مكتوفة الأيدي، وستعمل إسرائيل على تنفيذ هجوم سريع وعميق داخل الأراضي السودانية، لضرب كل الاحتمالات التي قد تنجم عن التحالف الإيراني السوداني المشبوه، حيث يرى مراقبون أنّ رسو السفن الحربية الإيرانية مؤخراً في ميناء بورتسودان، ليس صدفة، عقب استهداف قاعدة “فلامنغو” العسكرية، ويُعدّ ذلك، بمثابة إعلان واضح عن العلاقات السرّية العسكرية السودانية – الإيرانية، ودليلاً على دخول السودان عملياً في محور الصراع بين طهران وتل أبيب..
والسؤال الجوهري الذي يُؤرّق كلّ سوداني اليوم، السودان في ظلّ حكومة السودان الحالية ، حكومة عبد الفتاح البرهان، إلى أين يتجه..؟!، وهل عليه أن يقبل الدعم الإيراني للجيش مقابل دفع فاتورة باهظة..؟!، وخصوصاً أنّ إدارة ترامب بعد خمسة أشهر من الإهمال قد قرّرت الالتفاف لحلّ أزمة السودان، لكسب نصر ديبلوماسي بعد إخفاقها في حلّ أزمة روسيا وأكرانيا، وإيقاف حرب غزّة، ولا ننسى أنّ العقوبات الأمريكية قد دخلت حيّز التنفيذ منذ يونيو الفائت، وبالتالي فهل سيشهد السودان وقفاً للحرب بشروط أمريكية صلبة ومزعجة لقادة الحركة الإسلامية المتورطين أصلاً في إشعال هذه الحرب..؟! وهل سيجد السودانيون مخرجاً بعد كلّ هذا التعقيد، وخلال تعطّل تشكيل حكومة جديدة على يد رئيس وزراء جديد “كامل إدريس” لا يملك من أمره شيئاً، وإنما وضع ليكون واجهة مدنية لعصابة إسلامية عسكرية، تقاتل باسم الوطن وتبتلع خيراته، وتتصارع فيما بينها لتنال أكبر حصّة من كعكة الكراسي والمناصب التي عقّدت الأزمة، في ظلّ الحرب المظلمة البائسة التي يدفع ثمنها أبناء السودان الحرّ والجريح يوماً بعد يوم، والسؤال يبقى دائماً : السودان إلى أين..؟! وكلّ هذه النوائب تحاصره من كل الاتجاهات، فهل من مجير ..؟!
قد يبدو تداول تصريحات وزير الخارجية والمستشار الامن القومي “ماركو روبيو” واعدة، وخصوصاً بأنه عُرِفَ بحماسه للثورة السودانية بعد إعادة تشكيل المجلس الامني في البيت الأبيض، حيث قيل إنه قد أبلغ قيادات مكتبه الآخر في وزارة الخارجية للعمل بقوّة في ملف السودان خلال هذا الصيف، والله أعلم..