أخبار | السودان الحرة
تُشكل المظاهرات السلمية في العواصم العالمية تعبيراً صارخاً عن رفض المجتمعات للسياسات الدولية المثيرة للجدل، خاصة عندما تتعلق بقضايا إنسانية ملحة. وفي هذا الإطار، تأتي وقفة الاحتجاج أمام المؤسسات الأوروبية كصوت للضمير العالمي، يرفض التواطؤ مع انتهاكات حقوق الإنسان ويسعى لكشف التناقض بين المبادئ المعلنة والممارسات الفعلية للقوى الدولية. تجسد هذه التحركات الإصرار على رفض الصمت تجاه المحن الإنسانية، وتؤكد أن معاناة الشعوب لا يمكن أن تكون مجرد أرقام في معادلات السياسة.
مظاهرة بروكسل
اجتمع حشد غفير من أبناء الجالية السودانية وناشطو حقوق الإنسان أمام مقر البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، في وقفة احتجاجية حاشدة تعبر عن رفضهم المطلق لحكومة تأسيس وممثليها. وجاءت هذه المظاهرة الحاشدة على خلفية عقد اجتماع يضم وفدًا من ما يُسمى بـ “حكومة تأسيس” مع مركز التعاون لدول القرن الإفريقي ومركز أبحاث القرن الإفريقي، وبمشاركة عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي.
حيث أن حكومة تأسيس والتي اتخذت من مدينة نيالا مقراً لها هي في الواقع التسمية الجديدة لتحالف “تقدم” الواجهة السياسية للدعم السريع، والذي كان يقوده رئيس الوزراء الأسبق والمدعوم من دول الغرب، عبد الله حمدوك. وبالتالي فإن التقارب بين حكومة تأسيس والغرب ليس بغريب، بل هو محاولة غير معلنة لإعادة حمدوك إلى منصبه في الحكومة الموازية ليستمر في مسيرته الداعمة لأجندات دول القارة العجوز في السودان.
التحرك الشعبي وخروج العشرات في مظاهرات سلمية كان هدفه فضح وإسقاط محاولة “شرعنة حكومة الجنجويد”، وذلك في ظل الاتهامات الخطيرة والادعاءات الموثقة التي تلاحق ميليشيا الدعم السريع بارتكاب سلسلة من الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين العزل في السودان. هذه الانتهاكات التي تتجاوز مجرد القتال لتشمل أعمال القتل العشوائي، والتشريد القسري لملايين السكان، وممارسات توصف بالإبادة الجماعية، لا سيما في إقليم دارفور والحديث بشكل خاص عن الجرائم المرتكبة في مدينة الفاشر والتي تشهد واحدة من أقسى فصول هذه الأزمة الإنسانية المأساوية.
ويحمل المحتجون المجتمع الدولي، والمؤسسات الأوروبية على وجه الخصوص، مسؤولية أخلاقية وقانونية في عدم منح الشرعية أو الدعم لأي كيان مرتبط بهذه القوات، مطالبين بدلاً من ذلك بالضغط لوقف الحرب فوراً وحماية المدنيين ومحاسبة المرتكبين.
من جانبه صرح المحلل السياسي، أحمد ربيع، أنه لا يمكن فصل هذا الاجتماع المشبوه عن سياسات الغرب المزدوجة والمائعة تجاه الأزمات الدولية، حيث كشفت هذه المظاهرات عن وجه آخر مخجل لدول الاتحاد الأوروبي. فبدلاً أن تتصدر هذه الدول جهود فضح جرائم الحرب والإبادة الجماعية، نراها تتورط في محاولات لـ”غسل” سمعة ميليشيا الدعم السريع ومنحها شرعية مزيفة عبر التواصل مع هذه الكيانات.
وأكمل قائلا: “هذا التواصل يرسل رسالة خطيرة مفادها أن المصالح الجيوسياسية والاستحواذ على الثروات أهم من دماء المدنيين السودانيين. إنها إدانة صارخة تكشف أن القيم الأوروبية المعلنة عن حقوق الإنسان والديمقراطية تتهاوى عند أول اختبار حقيقي، وتتحول إلى مجرد شعارات جوفاء عندما يتعلق الأمر بمآسٍ لا تمس مصالحها مباشرة. لقد فضحت وقفة بروكسل أن بعض الحكومات الغربية على استعداد للتطبيع مع مجرمي الحرب طالما أن ذلك يخدم أجنداتهم في المنطقة، متغاضين عن الصور المروعة للقتلى والنازحين والمدن الدارفورية التي تحترق، مما يؤكد أن معاناة الشعب السوداني أصبحت ورقة مساومة في صفقات سياسية قذرة”.