Connect with us

اخبار السودان

د. عبد اللطيف البوني يكتب: الناس تتباكي والدموع تتقطر!

نشرت

في

د. عبد اللطيف البوني يكتب: الناس تتباكي والدموع تتقطر!


في ذات صباح من صباحات القاهرة وفي شارع فرعي بمدينة عابدين لفت نظري تجمع سوداني محدود.. غريزة القطيع دفعتي إليهم، فعرفت منهم انها محطة  لترحيل السودانيين العائدين إلى البلاد.. مصطلح العودة الطوعية دا ما راكب لي في راسي.. ما علينا خطأ شائع خير من صحيح مهجور.. طوعية طوعية..

شيئا فشيئا بدأت الأعداد تتزايد وعربات نص النقل تنزل في الشنط والامتعة، فتذكرت الراحل المقيم هاشم صديق في مسلسل قطر الهم: (عفش الناس الجايي يناهد بالكيمان)، ثم اكتظ المكان بالمسافرين والمودعين والاخرين لا يقل عددهم عن الأولين… إنها حالة الانقسام الأسرى والتشظي التي أصابت هذا الوطن المنكوب…

هاجت بي الذكرى للوطن لشطانه للدار الوريفة (وهو اصلا لم يغادرني لحظة) أصابني حنين جارف.. طاب لي المكان فلم أغادره يومها؛ لا بل أصبحت دائم التردد عليه إذ وجدت فيها سلوى  وتخفيف من وطأة الغربة، فمع جمال القاهرة وبهرجتها وحيويتها إلا ان الشعور بأنني غريب ديار وغريب أهل لم يفارقني ف(في السودان همي وعزايا) فأصبحت صديقا للعاملين فيه من شباب منظومة الصناعات الدفاعية التي تتكفل بترحيل هؤلاء العائدين من هذة المحطة من الألف إلى الياء، إذ لا يدفع المسافرون جنيها واحدا لا في أكل ولا في شرب ولا في استراحة؛ إلى أن يصلوا محطتهم الأخيرة، وتفعل المنظومة هذا تأسيسا على البند الذي خصصته للمسؤولية المجتمعية الأمر الذي يشي إلى مرونة في التعامل مع المستجدات فالحرب الماثلة أمر طاري وبالتالي كل افرازتها طارئة.

*أول سؤال تبادر إلى  ذهني.. ياربي الناس ديل سعداء بهذه العودة ام مجبورين عليها؟ ام هو خيار؟ ام الخير لا هو خير ولا الموت اخير؟. لم اسأل احد منهم بل كنت اتفحص وجوههم واستمع  للحوارات التي تدور بينهم… يفرق الصوفية بين السمع والاستماع.. فالأول هو الذي يفرض نفسه عليك إذ لا يمكنك إغلاق اذنيك عن السمع كما تغض الطرف عن النظر. والثاني هو الذي تسعى إليه.. فانا قمت بتحويل السمع إلى استماع (يعني المخالفة بسيطة) وليشفع لي طلب المعرفة.

بعضهم تبدو السعادة في وجهه وما يصدر منه من كلام وبعضهم تشعر بأنه  مهموم  وبعضهم بدأ لي وكأنه متخوف.. شابة تقول لأخرى تجلس بجوارها “كلو من أمي الكوزة دي هي المصرة على المشي للسودان” فتلتفت إليها امها وتقول لها “ايوا مصرة مصرة لأنه مصيرك ترجعي ولا انتي عاوزا تقعدي هنا للمقابر”. فترد الشابة “ما قلنا حاجة، اصلا راجعين راجعين لكن يا ماما خلي البلد تتصلح شوية”. ردت الأم “البصلحها منو ونحن متجدعين هنا لا شغل ولا مشغلة”، تساءلت الابنة “يا ماما نحن بنجيب محطة الكهرباء؟ نحن بنعمل مستشفى؟ نحن بنفتح مدرسة؟ نحن بنوفر أمن؟ نحن حكومة؟”، لم تستسلم الأم “الحكومة دي لو ما نحن قعدنا ليها قدام عينيها  وساعدناها ما بتعمل لينا الحبة”.

أحدهم اوقف البوكسي واخد يشيل ويردم في العفش وفوق ذلك كان لديه طقم كراسي، فجاءه شاب لا أدري إن كان من المسؤولين ام يتبع للبص السياحي، فقال له يا حاج الكراسي دي مافي طريقة ليها.. فرد لكن اوديها وين؟ انا اشترتيا وخلاص عزلت من الشقة، فتدخل ثالث وقال له ياحاج خلي الزول المودعك دا يرجعها للمكان الاشترتيا منه، المصريين ديل كويسين جدا في الحتة دي برجعوها طوالي ولو عصروا عليك بيعملوا خصم بسيط…

كان أحدهم يحمل كمنجة ويبدو أنه  منتشي بعض الشي.. فسألته هل هو  سعيد بالكمنجة ام العودة؟ فقال لي  الاثنين، فالمكنجات هنا برماد القروش  (والله لو عندي قروش اكنت شحنت لوري كامل كمنجات) فقلت والله انت اللفيهم… انه سحر الفن.

اما أكثر اللحظات تأثيرا وأظنها هي السبب في مداومتي للحضور هي لحظات الفراق عندما ينادي الشاب المسؤول.. يلا يا جماعة البص رقم كذا… ويردد الرقم بصوت جهور.. فهنا تشهد العناق الحار وتقبيل الأطفال والدموع التي تبلل الخدود واللحي حتى البيضاء منها وتسمع النحيب والانين فينبعث صوت إبراهيم عوض من دواخلك:
ساعة وداعنا أنا دايرك تحضر
ما تقول نسيت لازم تتذكر
الناس تتباكي والدموع تتقطر
بتقطع قلبي انت لو تتأخر
أبيت الناس وابيت خلاني
خاصمت الكل عشان حباني

الدموع هي سيدة الموقف إذ جمعت بين المسافرين والمودعين والمتفرجين والفضولين، لقد بدأ لي حتى الشباب المسؤولين عن التفويج اغرورقت عيونهم فتتذكر (الن باتون) في رواية  وتبكي يا بلدي الحبيب (والله دا ما الدايرنو ليك يا بلادي الطيبة… والله يجازيك يا…).

ادهشني شباب منظومة الصناعات الدفاعية الذين يقفون على تنفيذ عمليات التفويج إذ يأدون عملهم بجد وصبر واناءة (طولة بال شديدة) مراعين للحالة النفسية لهؤلاء المسافرين الاستثنائين… سألت مسؤولة المسؤولية المجتمعية في المنظومة وهي في حالة حضور دائم  للموقع، لدرجة ان احدهم أنعم عليها برتبة فريق، عن حجم العملية ومستقبلها، فقالت لي ان عدد رحلاتهم وصلت حتى الآن إلى ١٣٠ (مائة وثلاثون) رحلة بواقع خمسين شخصا في كل رحلة، وان وجهات الرحلات متعددة على حسب سكن العائدين، فوصلوا القطنية والمسعودية والسريحة والهلالية ومدني وعطبرة بالإضافة للخرطوم، وقالت انهم يتوقعون زيادة مهولة في العدد بعد انتهاء الإمتحانات وأنهم يعدون العدة لذلك.. فقلت لها اعملوا بالحكمة الشعبية “كتر السفر وقلل الرحل”، أي كتروا عدد الباصات على حساب الخدمات الإضافية.. وربنا يعينكم….. ويعين السودان ذلك الوطن الذي ليس لنا من وطن سواه..

ويا وطنا نهواه رغم المحن.



أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك لنا تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخبار السودان

الخارجية: عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية لا تساعد في تحقيق السلام

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم: السوداني

قالت وزارة الخارجية إن الإجراءات الآحادية من وزارة الخزانة الأمريكية لا تساعد في تحقيق الغايات المنشودة في بيان الخزانة من تحقيق للسلام في السودان والمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على وزير المالية د. جبريل ابراهيم وكتيبة البراء بن مالك التي تقاتل مع الجيش.
وأكد بيان لوزارة الخارجية اليوم الأحد، أن أفضل الطرق لمعالجة الأزمات يعتمد في الأساس على الانخراط المباشر وعدم الاعتماد على افتراضات تروج لها بعض الجهات التي تحمل أجندة سياسية خاصة لا تخدم المصالح العليا للشعب السوداني، وأشار البيان إلى أن تحقيق السلام في السودان ربما يكون غاية مشتركة للمجتمعين الإقليمي والدولي ولكنه في المقام الأول شأن سوداني مبني على تطلعات الشعب بكافة مكوناته، وأن حكومة السودان هي المسؤولة عن تحقيق هذه التطلعات عبر كل الوسائل بما فيها الانخراط والعمل المشترك مع كافة الجهات في إطار احترام السيادة الوطنية.

أكمل القراءة

اخبار السودان

السودان.. الجيش يصد الهجوم العنيف – السودان الحرة

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم: السودان الحرة

بحسب ما أشارت

أفادت تقارير، أن الجيش السوداني تمكن من  صد هجوم لميليشيا الدعم السريع غرب مدينة الأبيض.

وشهدت الساعات الماضية اشتباكات عنيفة في محور كردفان بين الجيش وميليشيا الدعم السريع.

أكمل القراءة

اخبار السودان

قناة النيل الأزرق تستعد للنقل المباشر لفعاليات عودة مجلس السيادة وافتتاح مطار الخرطوم الدولي

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم – السوداني

تستعد قناة النيل الأزرق – محبوبة الجماهير – لنقل مباشر لفعاليات عودة مجلس السيادة والحكومة الاتحادية إلى مقارها الرئيسية بالعاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى حفل تدشين افتتاح مطار الخرطوم الدولي. وأكد المدير العام للقناة، عمار شيلا، أن القناة جاهزة لتقديم تغطية شاملة لهذه الأحداث عبر شاشتها، مع عودة تدريجية للخارطة البرامجية إلى ما كانت عليه قبل الحرب.

وأوضح شيلا أن مكتبة القناة البرامجية لم تتعرض للتخريب، مؤكداً أنها في حالة جيدة، مما يتيح استئناف البث بجودة عالية. وأشار إلى أن القناة عادت للبث عبر القمرين الصناعيين نايل سات وعرب سات، بعد أن كانت تقتصر على منصات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية خلال الفترة الماضية. كما وجه تحية خاصة لمشاهدي القناة في دول الجوار الذين حافظوا على التواصل المستمر، معربًا عن التزام القناة بتقديم برامج خاصة تستهدف أبناء وبنات السودان في المهجر، لتكون جسراً يربطهم بأهليهم داخل السودان.

تقدم كبير في تأهيل الاستديوهات
في سياق متصل، كشف شيلا عن تقدم كبير في أعمال صيانة وتأهيل استديو النيل والاستديو الرئيسي، حيث تجاوزت نسبة الإنجاز 80%. وأضاف أن المرحلة المتبقية تتضمن تركيب الأجهزة والمعدات والربط الهندسي، لضمان عودة البث بأعلى المعايير الفنية.

شراكات استراتيجية وشكر للداعمين
وفي ختام تصريحه، تقدم شيلا بالشكر لمؤسسات الدولة والشركات والأفراد الذين ساهموا في دعم عودة القناة، مشيداً بدور المؤسسة التعاونية الوطنية وشركاء النجاح من الشركات والبنوك. وأكد أن أبواب القناة مفتوحة للتعاون في مجالات الإنتاج البرامجي، الرعاية، والإعلان، بهدف تقديم محتوى متميز يلبي تطلعات المشاهدين.

اسرة صحيفة (السوداني) تتمنى لقناة النيل الازرق –  إحدى أبرز القنوات الإعلامية في السودان – وفريقها العامل التقدم والنجاح، لاستعادة مكانتها كمنبر إعلامي رائد يعكس تطلعات الشعب السوداني.

أكمل القراءة

ترنديج