أخبار | السودان الحرة
د. عمار حسن خميس
آيات القرآن الكريم كلام الله، ليست قصصًا مرت أو عبرًا خاصة بأمة دون أخرى، بل هي من الله الواحد الأحد علام الغيوب. وجعل الله هذه الآيات معجزة خاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
لعل أكبر حدث يحدث الآن في عصرنا المعاصر هو الذكاء الاصطناعي، الثورة الناشئة التي ستغير كثيرًا في هذا العالم، ولا بد أن تكون هذه الحقبة في علم الله الأزلي. والقرآن بصلاحيته لكل زمان ومكان لن يهمل مثل هذا الحدث. لذلك، أظن أن أي آية في القرآن يمكن تأويلها كخوارزمية قابلة للتنفيذ إذا توفرت ظروفها، أما القصص التي وردت في القرآن فيمكن النظر إليها كـ Deep Learning، بمعنى أنها خوارزمية متدربة يمكنها أن تعيد نتائجها متى توفرت البيانات الضخمة. فمثلاً، ماذا فعل قوم لوط؟ اتخذوا الرجال شهوة من دون النساء وخالفوا قاعدة ربانية خلقية جاءت في الآية الكريمة:
“مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”.
إذا لاحظنا هذه الآية، “مُسَوَّمَةً” أي لن تخطئهم، لأنها عند ربك، أي منه ولمن. ولفظ “الظَّالِمِينَ” يفيد أي ظالم، وليس ذلك فقط، بل معرف بالألف واللام ليفيد الخصوصية لأي ظالم. ولم يذكر الفعل هنا لكنه معلوم وهو من نوع الظلم الذي يغير طبيعة بشرية لما يخالفها. و”الباء” قبل “بَعِيدٍ” قصة أخرى لتقريب البعيد زمانًا ومكانًا. أظن، وإن بعض الظن إثم، أنها خوارزمية متدربة تدريبًا عميقًا، تنتظر أن يكون استشراء الظلم بصورة كبيرة تغير من طبيعة مراد الله، وحينها يتحقق الشرط الذي يجعل تنفيذ الخوارزمية واجبًا، ولا تخطئ هؤلاء الظلمة.
أنا لا أدعي، لكن أحاول ربط فهمي للآيات هكذا: هي نماذج أو خوارزميات واجبة التنفيذ إذا توفرت بياناتها، وخاصة إذا جاءت الآية من قصة أو مثال، فهذا يعني أن الخوارزمية متدربة تدريبًا عميقًا، وليس ما تم من قبل ببعيد أن يحدث مرّة أخرى.
أرجع للإطعام من جوع والأمن من الخوف، لعل ذلك ورد في القرآن كنعمة ذُكرت في سورة قريش، وهي منّة من الله سبحانه وتعالى لهم، لكن ما يجعلها لا تخصهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها).
هذا الحديث مع الآية يؤكد عمومية مِنّة الله على خلقه، فالإطعام من الجوع والأمن من الخوف مِنّة ومن صفة الربوبية وليست صفة الإلوهية، لأننا نعلم أن قريش كانت كافرة، والإلوهية صفة لمن آمن وأسلم. إذاً، الإطعام من الجوع والأمن من الخوف للكل، والحديث أكدها باسم الموصل “من”، يعني ليس مهمًا أن يكون مسلمًا أو غير مسلم، طالما أنه كائن حي، فهذه منّة ربانية.
أرجع وأقول للفرد أو للأمة أو للجماعة: إذا قدر الله أن تكون منفذًا لخوارزمية قرآنية من جهة صفة الربوبية، يجب أن تعلم أن هناك خللًا بشريًا أُخليت به، جعلك تدخل في دائرة التنفيذ لتكون عبرة للآية. ويكون الأمر أكثر صعوبة إذا كانت من صفة الربوبية وليست الإلوهية، لأن الابتلاء غالبًا متوقع من جهة الإلوهية، كما يقول الحديث:
قال ﷺ: “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل.”
وهؤلاء استحقوا صفة الإلوهية، وكثير من الآيات تؤكد ذلك:
“وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.”
والابتلاء دومًا مرجعه مغفرة وتمحيص.
أما العذاب من جهة الربوبية، فهنالك في ظني خلل بشري يجب أن يلتفت الناس إليه ويعملوا على تغييره. وفي ظني الأكبر، غالبًا تكون أشياء في القلوب، الله أعلم بها، كحب النفس، والأنانية، والتعالي، والتكبر، والحسد، وهذا أيضًا ما فعله إبليس.
خلاصة قولي: آيات الله خوارزميات، وأمثلتها تدريب عميق. اجتهد ألا تدخل في دائرة بياناتها حتى لا تصيبك ما أصاب من كان قبلكم، واجتهد ما أمكن أن تدخل في دائرة ما كان مخرجها رضا الله وجنة الخلد، كآية الكريمة مثلاً:
“مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
اللهم اجعلني وإياكم من الذين يتدبرون القرآن وآياته.
وأسال الله أن يغفر لنا الذنوب وسوء الفهم، ويفقهنا في ديننا.