Connect with us

اخبار السودان

د. عبد اللطيف البوني يكتب في (حاطب ليل): الزارعنا غير الله…

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

في صبيحة ١٥ أبريل ٢٠٢٣، ذلك اليوم المشؤوم من تاريخ السودان، كنت موجوداً في قريتي بشمال الجزيرة، ولكن جزءاً كبيراً من الأسرة كان في الخرطوم. وبعد اتصالات تجمع من كانوا في العاصمة وعادوا للجزيرة في مساء نفس اليوم لقرب المسافة، بعد أن أغلقوا المنزل وأخبروا الجيران بأنهم ذاهبون على أساس أنها كلها يومين أو ثلاثة وسوف يعودون، كما حدث يوم اغتيال قرنق وهجمة خليل إبراهيم. فما كانوا يظنون أنها (المرقة الياها)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

في الجزيرة ظللنا نتابع ما يجري في العاصمة كبقية أهل السودان، مع متابعة خاصة للحي الذي يليّ في الخرطوم: ناس فلان مرقوا، وناس علان دخلوا عليهم، وبيت ناس فلانة شُفشف، علان ضربوه، بيتكم كسروا مفتاح الحوش، دخلوا الغرف لكن عملوا ماذا؟ لا نعرف. جارتكم العشوائية التي كانت تكمل نواقصها منكم دخلت بيتكم ومعها دعامة… وهكذا إلى أن وصلنا مرحلة بيتكم أصبح قاعاً صفصفاً وكل الجيران رحلوا… اللهم لا اعتراض على حكمك.

بعد غزو الدعم السريع للجزيرة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣ نسينا الخرطوم وما حل بها… وما حدث لبيتنا فيها… فأصبحنا (في تولا) ووجدنا أنفسنا أمام حكومة أمر واقع جديدة مقرها مسيد ودعيسى، ويسمى حاكمنا الجديد حسن عبد الله، ومشتهر بالترابي، وهو برتبة عقيد من قبيلة السلامات. أما الحاكم المباشر في قريتنا وما جاورها فيسمي أحمد ساكن من الرزيقات، فكانت حكومة (عينة) ذقنا فيها صنوفاً من الإذلال والقهر والموت والسلب وكل ويلات الحرب. إن كانت أجزاء من السودان مرت بحكومات وطنية منذ الأزهري إلى البرهان، فنحن والذين من شاكلتنا تفوقنا عليهم، فقد مررنا بحكومة الدعم السريع التي ترأسها ال دقلو. وفي منطقتنا فوضت سلطاتها للترابي وساكن، وكانت سلطات واسعة جداً تشريعية وقضائية وتنفيذية، يفرضون عليك الاتاوة التي يرون ويأخذونها بفوهة البندقية والدبشك، ويعاقبونك على ما يظنون.

سلطات لم تخطر ببال جعفر بخيت أبو الحكم المحلي في السودان، والذي كان ينادي بتوسيع الحكم المحلي لدرجة إنزال ضريبة إنتاج البيبسي كولا واستخراج الجواز له لتصرف في محلية الذين أخذوا منهم. يا بلادي كم فيك حاذق… ما علينا، تلك قصة أخرى.

فيا أهلنا في شمال وشرق السودان، نحن تفوقنا عليكم بحكومة كاملة الدسم، مختلفة عن كل حكومات الدنيا. فلو جاء تفكيرنا في مستقبل السودان مختلفاً عنكم فاعذرونا… وليس من رأي كم سمع.

في أثناء فترة حكومتنا السنية، والتي كان عمرها ١٥ شهراً بالتمام والكمال، تعرضت قريتنا لغزوة بمتحرك كامل من الماليزي بهدف الغنيمة فقط، وكان ذلك في يوم الخميس ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤، فاشتعلت القرية كلها ناراً. فخرجنا من ديارنا وأمضينا شهراً كاملاً في النزوح بالقرى المجاورة، والتي هي الأخرى خاضعة لذات حكومتنا التي أخرجتنا من ديارنا. ثم عدنا إلى بيوتنا بعد أن انتهت طغيان النار، فالشفشافة العالميون أخذوا كل الأشياء الثمينة، والمحليون أخذوا حتى الملايات والمراتب. ورغم ذلك، عندما عدنا إلى منازلنا تبادلنا التعازي في شهدائنا الذين قارب عددهم المئة، منهم من مات بالرصاص المباشر وبعضهم بالحراك المصاحب للغزو. رغم عمق الجراح قبلنا جدران منازلنا التي ما كنا نظن أننا سنراها مرة أخرى. ثم جاء الخلاص النهائي بأيدي قوات الشعب المسلحة ومن معها من المستفرين، فتنفسنا الصعداء، وعاد الوطن إلى وجداننا ورجعنا إلى حكومة البرهان.

إذن يا جماعة الخير، ومن خلال هذه التجربة الشخصية أعلاه والتي تعرض لها الكثيرون، أكون قد مررت بتجربتين من الطرد من المنزل والتجريد من الممتلكات، في الخرطوم والجزيرة. ولكن أصدقكم القول إن الجرح الغائر في نفسي أحدثه ما حدث في الجزيرة، رغم أنه بالحسابات المادية المجردة ما فقدته في الخرطوم كان الأكبر: نهب الأبقار من الزريبة ومعها الكارو وحمارها ودفار القصب… المني، أكثر من أخذ العربة الركوبة كوريلا ٢٠١٥… نهب جولات الذرة والقمح والكسبرة التي كانت في مخزني… أوجعني أكثر من نهب كراسي الجلوس وغرفة الاستقبال في الخرطوم، حرماني من الذهاب للحواشة أثناء أيام حكومة الاحتلال كان أشد على نفسي من الحرمان من التجوال في العاصمة بين فصول الدراسة والمنتديات الثقافية والإعلامية. لكن تبقى سيارة الأستاذة تيسير محمد فرغلي الفارهة ذات الدفع الرباعي، التي وضعتها أمانة عندنا بعد خراب الخرطوم، مصدراً لألم خاص.

خرجت من السودان في أواخر أبريل ٢٠٢٥. الحمد لله على نعمة البنات والأولاد، فهم الادخار الحقيقي، وبمناسبة البنات، هذه الأيام كلما نسأل من واحد من الجلاكين المشردين يقال لنا (قاعد مع بتوه)، أي مقيم مع ابنته، فايقوا عشرة على بناتكم. في هذه الخمسة الأشهر التي أمضيها بين المملكة العربية السعودية ومصر تجولت كثيراً بين تجمعات السودانيين، فلحظت أن القادمين من بيئات زراعية هم الأكثر إصابة بالنوستالجيا، أي شدة الشوق والحنين للوطن، وهم الذين يتحرقون شوقاً للعودة إليه. إنها نعمة ويمكن أن تقول ضريبة الارتباط بالزرع المرتبط بالأرض.

صديقنا البروفسور عبد العظيم المهل كتب مقالاً هاماً عن سرعة التعافي في الجزيرة بعد الحرب دون غيرها، أقفز إلى أبعد من ذلك وأقول إن (إخواننا) الذين اعتدوا علينا وسامونا سوء العذاب، أكرر (إخواننا)، هؤلاء الذين ألبهم الأعداء علينا، لو كانوا قادمين من بيئات زراعية لما فعلوا ما فعلوا بنا، فهم قادمون من بيئات رعوية تعيش على الترحال. فالإنسان فيها يربط مصيره بمصير البقرة ويتحرك وفق مطلوباتها. فكما قال الأديب الراحل المقيم إبراهيم إسحاق، وهو من أبناء تلك المناطق: “لا عمران ولا مدنية ولا حياة آمنة مع الترحال”. طبعا إن ابن خلدون سبق إلى ذلك. والمفارقة أن هؤلاء الإخوان (هذه المرة بدون أقواس) قادمون من منطقة سافنا الغنية التي تبكي مطراً، وتبكي من عدم الالتفات لهذه النعمة، والدراسات لتوطين الرحل على قفا من يشيل، لكنها المحقة التي أصبحت ماركة مسجلة للسودانيين.

لكل ما تقدم، يمكننا أن نقول إن أي كلام عن إعادة إعمار السودان أو بنائه من جديد لا يبدأ بالزراعة فهو عبث وتبديد للجهود، هذا إذا كانت هناك جهود حقيقية. فبالزراعة نوجد المواطن الصالح المرتبط بأرضه، المواطن الوطني المحب لوطنه. وبالزراعة ننزع بذرة الشر التي عششت في عقول إخواننا الذين غزونا وعفشوا وشفشفوا بيوتنا التي فتحناها لمن قدم منهم إلينا.

أذكر أنه في برنامج “سبت أخضر” الذي كانت تبثه قناة النيل الأزرق استضفت عدداً من الاقتصاديين في حلقة عن التعدين، فبرزت أثناء الحلقة نغمة تحذر منه لدرجة أنه قيل خلال تداعيات الحديث ومن خلال التجربة الأفريقية إن التعدين ما ابتدأته دولة أفريقية إلا وقالت له الحرب: خذني معك. فالأفضل للسودان بعد ذهاب البترول ألا يتجه للاعتماد على الذهب ويتركه إلى أن يقوي ساعد الدولة ثم يلجأ إليه. من الأفضل أن يخزن في بطن الأرض لأنه إذا خرج إلى خزائن البشر مع ضعف الدولة سوف يلحقها أَمات طه.. لولا الذهب لما استفحلت الملايش. بقليل من التدبر والتفحص سوف نكتشف أن حربنا اللعينة هذه هي حرب الذهب بامتياز. وأذهب إلى أكثر من ذلك وأقول إن الدولة إذا لم تضع حداً لفوضى الذهب الحالية فإن الحرب لن تتوقف. ونذكر هنا أن الراحل الدكتور عبد الوهاب عثمان عندما كان وزيراً للمالية اقترح بعد اكتشاف وتصدير البترول أن تبقى ميزانية البلاد على ما هي عليه في مدخلاتها ومنصرفاتها، وأن يذهب كل ريع البترول للزراعة وما تستلزمه من بنيات تحتية، ولكن (إخوانه) لم يرفضوا رأيه المتقدم هذا بل غدروا به وجعلوه يرجع إلى بيته في الصافية بتاكسي أجرة، تاركاً لهم مكتب الحكومة وعربتها وبترولها. فكان ما كان ولا نقول حدث ما حدث، ذهب البترول وجاء الذهب وجاء الخراب. فارجعوا للزراعة يرحمكم الله ليكون هناك إعمار أو إعادة إعمار أو حتى تأسيس، وتأسيس هنا بدون أقواس.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك لنا تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخبار السودان

جمال الوالي ينعي الراحل محمد الياس محجوب 

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

بسم الله الرحمن الرحيم  

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي).  

صدق الله العظيم  

عزاء 

ببالغ الحزن والأسى ينعى رئيس نادي المريخ الأسبق والرئيس الشرفي للنادي، السيد/ جمال الوالي، عند الله تعالى، فقيد الوسط الرياضي، ورمز نادي المريخ

الحاج محمد الياس محجوب 

رئيس نادي المريخ الأسبق، الذي لبى نداء ربه راضياً مرضياً في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة المبارك، تاركاً خلفه إرثاً حافلاً بالعطاء والإخلاص والقيادة الحكيمة، سيظل ماثلاً في ذاكرة كل مريخي وكل محب للرياضة السودانية.

لقد كرّس الراحل محمد الياس محجوب حياته لخدمة الكيان المريخي بكل تفانٍ ووفاء، وكان قائداً استثنائياً ورئيساً سابقاً للنادي، فضلاً عن دوره كرئيس لمجلس الشورى، حيث ترك بصمات واضحة في مسيرة المريخ، جعلته رمزاً للانتماء والعطاء الراسخ.

والعزاء موصول إلى أبنائه وأحفاده وأسرته الصغيرة والكبيرة الممتدة، وإلى عموم الكوارته، وجماهير نادي المريخ الوفية.

اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، واجزه عن الإحسان إحساناً، وعن الإساءة عفواً وغُفْراناً، وادخله فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

اللهم ألهم أبناءه وأحفاده وأهله وأصحابه، وجيرانه، وكل من عرف فضله الصبر وحسن العزاء.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)  

أكمل القراءة

اخبار السودان

عاجل: القوات المسلحة تُحرِّر مدينة بارا

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

أكمل القراءة

اخبار السودان

“كباشي” في الأبيض واحتفالات كبيرة للمواطنين – السودان الحرة

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم: السودان الحرة

وسط الأهازيج.

احتفل نائب القائد العام للقوات المسلحة شمس الدين كباشي  مع المواطنين في مدينة الأبيض عقب تحرير وبسط الجيش السوداني والقوات المساندة له.

جاء ذلك بعد سيطرة الجيش على مدينة بارا بشمال كردفان.

أكمل القراءة

ترنديج