السودان إلى أين ….؟
تعرّض السودان لأوّل عزلة دولية خانقة في تسعينيات القرن الماضي، حين تحوّلت الخرطوم إلى مأوى لكلّ إرهابي مطرود ومُلاحق ومجرم ومطلوب دولياً في ظلّ حكم الإنقاذ البائد، وحزب المؤتمر الوطني المنُحل وتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وقد عاشت البلاد في دوّامة لا تنتهي من العقوبات، ومن ثمّ الحصار، والتُهم الدولية التي لا تنتهي، و لم يكن الأمر مجرد انحراف سياسي، بل كان طيشاً غبيّاً وانحداراً كاملاً نحو نموذج الدولة الخارجة عن القانون، والتي لا تكترث بميثاق دولي، بقدر ما تسعى لتصدير أيديولوجيا مظلمة مؤدلجة، قد أحكمت قبضتها بقوّّة وعنف على مفاصل الحكم في البلاد.
واليوم، بعد اندلاع حرب إبريل 2023 بفتنة من تنظيم الإخوان الإرهابي، وانكشاف المستور، تعود الأفاعي للزحف من جديد إلى كراسي الحكم، ولكن هذه المرة، من بوّابة الدولة وحكومتها الغير شرعية بقيادة عبد الفتاح البرهان، حيث تشتدّ القبضة عسكرية، وتتحالف مع علي كرتي الإرهابي المجرم والمطلوب دولياً، وبقايا حزب المؤتمر الوطني المنُحل، والذين يرفضون الامتثال للمجتمع الدولي، ويصرّون على إدارة البلاد بنفس العقلية القديمة للإنقاذ، في عالم لم يعد متسامحاً أبداً، وخصوصاً أنّ أمريكا بإدارة ترامب القادم لإحلال السلام وللقضاء على أعداء أمريكا أينما كانوا .
ولذلك فقد بدأت في السادس والعشرين من شهر يونيو، أولى العقوبات الأمريكية بالتنفيذ، كخطوة ابتدائية تحذيرية، تحمل في طيّاتها رسائل قاسية أبرزها: “إن لم تفتحوا الأبواب للتفتيش، وتتوقفوا عن استخدام الأسلحة الكيميائية، فالعزلة ستكون شاملة”، والعقوبات الجديدة قد تبدو أوّل الغيث، إنما في عمقها هي وعدٌ بعاصفة قادمة: منها إغلاق أبواب التمويل الدولي، ووقف قروض البنك الدولي وصندوق النقد، وتقليص أو طرد البعثة الدبلوماسية الأمريكية، بل وربما إغلاق السفارة بالكامل، وهذا ما يتوقعه أغلب المهتمين بالشأن السوداني، إن لم يتعدّى ذلك ضربة عسكرية لا تبقي ولا تذر .
وعند اعتماد الأدلّة الخاصة بالانتهاكات التي قام بها الجيش السوداني، فإنّ نشر تقرير واحد من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كفيل بأنّ يُطوّق السودان بعقوبات أممية واسعة وكبيرة، ستجعل من محاولات التعافي الاقتصادي وإعادة البناء حلماً بعيد المنال، وفي وقتها، لن تكون المطارات السودانية سوى ساحات ترابية خاوية من الطائرات، ولن تعود الطائرات السودانية قادرة على عبور أجواء العالم، وسيُحرم الشعب من قنوات التواصل مع معظم بلدان العالم.
لكنّ الأخطر، أنّ هذه العزلة، إن حدثت، فستأتي في وقت يعاني فيه السودان أصلاً من صراع داخلي دموي طاحن، أدّى إلى حالة انهيار شبه كامل للمؤسسات، ومع عودة وجوه تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي البائد من حكم الإنقاذ إلى الساحة، حيث يُخشى أن تتحوّل الخرطوم إلى نُسخة شبيهة من “الخرطوم عاصمة الأفاعي”، التي حكمها حزب المؤتمر الوطني المُنحل، وتلك التي وصفها أسامة بن لادن الإرهابي المعروف، والذي سكنها واستثمر بها ذات مرة بأنها “خليط بين الدين والجريمة المنظمة”.
في المقابل، وفي الطرف الآخر من العالم، يبدو أنّ واشنطن، تستعدّ لاستخدام سلاحين متناقضين في آنٍ واحد: العقوبات من جهة والتصعيد العسكري من جهة أخرى، تحت شعار: “سنوقف الحروب، ونهزم أعداء أمريكا ” وقد تكون حرب السودان، في ظلّ تعقيداتها الإقليمية والدولية، اختباراً حاسماً لهذا الشعار، ومع التقارب الإيراني السوداني، حيث تبدو إسرائيل أيضاَ مستعدّة للتدخل فوراً، لضرب أيّ نفوذ إيراني على البحر الأحمر، وبدون أي اعتبار لأحد، وقد وصفت الصحف الإسرائيلية السودان بأنه : بؤرة ناشئة لحملة إيران الإرهابية.
وعلى السودانيين اليوم، أن يدركوا الحقيقة وأن يعرفوا أنّ السودان في ظلّ حكومة تنظيم الإخوان المسلمين، سيُدّمر بالكامل، ولن يعود السودان بلداً طبيعياً، ولن يعرف الاستقرار، ما لم يتمّ التخلّص من الأفاعي، ونزع مخالب أولئك الذين جعلوا من الدولة مشروعاً سلطانياً لهم، ومن الدين أداة للهيمنة وللحكم وتغييب المجتمع، ومن الوطن ساحة حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، فالسودان بحاجة إلى تطهير جذري، لا مجاملة فيه، ولا مواربة، فإما أن تنهض الدولة على قواعد جديدة، أو يعود كل شيء إلى ما قبل التاريخ، حيث الظلام الدامس والأبدي .