كثر الجدل من خلال وسائل الإعلام المختلفة بشأن عودة حمدوك والتي يراها كثيرون ردة إلى الخلف وإعادة إنتاج الأزمة والفشل وتتصادم مع رغبة السواد الأعظم من الشعب السوداني بينما تستفيد منها فئة قليلة كانت مقربة منه وذات حظوة.
التحركات الدولية والإقليمية الرامية والمساعي الداخلية لإعادة حمدوك إلى السلطة لها أجندة وغايات مختلفة، وكل جهة ترى في حمدوك وسيلةً لتحقيق أهدافها، فالاتحاد الأوروبي يرى في دعم حمدوك دعم للتحول الديمقراطي والدولة المدنية حتى لا يظهر أمام الرأي العام الأوروبي متناقضاً بين المباديء والشعارات والواقع، فضلاً عن أجندة أخرى لاتزال محل تساؤلات وشكوك، وهذا الأمر ينسحب بنسبة كبيرة أيضاً على الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن الإدارة الأمريكية توازن دائماً بين المصالح بشكل اساسي وحاسم وبين دعم الحريات والديمقراطية ظاهرياً لتثبيت الصورة الذهنية لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، ومن هنا يأتي دعمها الظاهر لحمدوك، والخفي للشركاء العسكريين لتحقيق أجندة لا يمكن للمدنيين تحقيقها كالتطبيع مع إسرائيل مثلاً، والشركاء العسكريين وفي ظل حاجتهم الماسة لتسيير دولاب الدولة والتعاون الدولي والمساعدات الخارجية يرون في وجود حمدوك بينهم استمرار للدعم الخارجي.
ثمة أمر آخر لا بد من قراءته في هذا السياق وهو أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة إلى موسكو في تلك الظروف التي شهدتها الزيارة حملت الغرب وحلفاءه وأصدقاءه من العرب للتحرك باتجاه عودة حمدوك بصلاحيات أوسع وسلطة أقوى حتى يستطيع (فرملة) الهرولة إلى روسيا.
هذه التحركات الداخلية والخارجية متعددة الأغراض والأجندات، والكل فيها يمدح ليلاه، فأمريكا والغرب لا يريدان لحمدوك الانفراد بالسلطة وحده، كما لا يريدان لقادة الجيش أن يسيطروا على مقاليد السلطة بمفردهم، تنفيذًا للوثيقة الدستورية التي تقول بشراكة العسكر والمدنيين، لكن واقع الحال هما يريدان إبراز دعم حمدوك ليتسق ذلك مع شعارات الغرب وأمريكا في مساندة المدنية والديمقراطية، وفي نفس الوقت يتمسكان بشدة بالجانب العسكري لإنجاز أمرين: الأول مهم للإتحاد الأوروبي وهو قطع الطريق أمام سيول المهاجرين إلى القارة العجوز، والثاني مهم للأمريكان ومراكز القوة الصهيونية واللوبيات اليهودية في واشنطن وهو التطبيع مع تل أبيب.
في رأيي أن حمدوك بتقديمه لاستقالته، أكد أنه لا رغبة لديه لخدمة الوطن، والبلاد تعج بالكفاءات المتميزة مما يتطلب البحث عن رجل آخر، وهذا أفضل من عودة رئيس الوزراء السابق.
عدد من الأحزاب السياسية أعلنت رفضها عودة حمدوك واعتبرت الأمر عودة للأزمات السابقة ومن بينها أحزاب الحرية والتغيير الميثاق الوطني وحزب الأمة القومي وحركات الكفاح المسلح التي شاركت بموجب سلام جوبا، ومعلوم حجم الخلاف بينه والحركات حيث اشترط عدم اشراكها في حكومته الأخيرة، ويرون أن عودته تعني خروج الحركات من المشهد وربما عادت لحمل السلاح وبالتالي فشل اتفاق السلام.
حتى الأحزاب التي كانت متحالفة مع حمدوك كحاضنة سياسية ترفض عودته وتصفه بالضعف، ومن المحتمل أن بعض أحزاب الحرية والتغيير تطمع في منصب رئيس الوزراء لقياداتها.
يتضح من كل ذلك أن هنالك إجماعًا تامًا على رفض عودة حمدوك من جديد لرئاسة الوزراء باعتبارها لا تمثل إرادة السودانيين ولا الحل المطلوب لأن الأطراف التي تدعم عودته هي أمريكا والاتحاد الأوروبي والبعثة الأممية وأطراف إقليمية أخرى غير مهتمة باستقرار السودان.
عودة حمدوك مرفوضة لأنه ليس لديه ما يقدمه، وفشل في كل الملفات وحتى الاقتصاد كان التدهور مريعاً وأصدقاؤه الغربيون لم يقدموا له شيئًا سوى الوعود الكذوبة والروشتة المدمرة في إدارة الاقتصاد والتي أحالته إلى خراب.
الأخطر من كل ذلك أن سيناريو عودته هذه المرة عنوانه الأبرز الوصاية الدولية التامة، مما سيشكل خطراً على القوات المسلحة وعلى استقرار السودان ككل، ويجب على قيادة مجلس السيادة الانتباه جيداً لهذه السيناريوهات حتى لا تقع في الفخ وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء بقراءة خاطئة، لأن وجود حمدوك في الحكومتين السابقتين لم يمثل إضافة ولم يكن مفيداً مثلما يروج لذلك البعض، والحل يجب أن يكون سودانياً وبالداخل او التعجيل بالانتخابات والا فلن يضمن اي احد السيناريوهات المتوقعة والقادمة والتي ربما تطيح بكل من يوجد في المشهد الحالي أو تقود لمواجهات تؤثر على وحدة السودان واستقراره .