Connect with us

اخبار السودان

المعرفة المزعومة – السودان الحرة

نشرت

في

المعرفة المزعومة – السودان الحرة


كنت ذكرت مرة في دردشة عابرة أن شخصا لا أعرفه جيدا يسألني كلما التقاني، في أي مناسبة، أو حتى مصادفة في الطريق:
ما هو الجديد عندك؟
أخبره إن كان لدي جديد أو لا، فيبتسم، ويشد على يدي بقوة مباركا لي أعمالي التي يستمتع بها ويترقبها، ويمضي.
في إحدى المرات التقيته في صالة أحد الفنادق، جلس بجانبي، وسألني السؤال التقليدي، لكني لم أرد إفلات تلك اللحظة، سألته عن القديم الذي قرأه لي، وأي نص أعجبه فيه بالتحديد؟ فارتبك، نقرت على اللحظة أكثر، واكتشفت أن الرجل لم يقرأ لي أو لغيري حرفا واحدا، وحتى رواية «كنوز الملك سليمان»، التي كانت مقررة عليه في المرحلة المتوسطة، أيام أن كان طالبا في سبعينيات القرن الماضي، لم يقرأها، واكتفى بمقتطفات منها تساعده على النجاح في الامتحان. وضح أكثر أنه لا يملك حتى مكتبة في بيته، من نوع تلك المكتبات التي يحشوها الناس بالكتب الضخمة، التي تسمى أمهات الكتب، ويجعلونها بارزة في صالونات بيوتهم، من أجل الوجاهة، وإظهار الثقافة للزوار الذين يستقبلونهم.
إذن لماذا السؤال الدائم كلما التقيت كاتبا أن تسأله عن الجديد عنده، وأنت لا تعرف شيئا عن القديم، الذي يعود بعضه إلى خمسة وعشرين عاما مضت؟
الرجل لا يعرف، لكن أستطيع أن أقول إن العمل في حرفة مثل الكتابة، والتمثيل، والفن عموما، لا يجعل الحياة سهلة، أو سلسة أبدا، قد لا يأتي بأي عائد. خاصة بالنسبة للكتابة، وهذا هو الشائع، وقد يأتي بعائد بسيط، وهذا ليس للجميع ولكن لقلة من المبدعين، كانت حظوظهم جيدة، ولكن العائد الاجتماعي المتلصص والمتتبع للعورات، والهنات البسيطة حتى، هو ما يرهب حياتنا، ويجعلنا أسرى لأفكار وتكهنات عنا ليست صحيحة أبدا. وبعد أن اكتشفت الإنترنت، واتسع نطاق استعمالها، لتصبح متوفرة في كل مكان، حتى القرى البعيدة جدا في أصقاع الأرض، اتسع أيضا نطاق التتبع، وإمكانية الوصول لأي شخص مهما كان منعزلا، في عالمه الخاص، ناهيك عن الشخص الذي يعمل في وظيفة عامة، تحتم عليه أن لا يفكر في أي عزلة.
هناك كثيرون قد لا تزعجهم الأسئلة العابرة في الطرقات والأسواق والمستشفيات، وهناك من تزعجهم، وشخصيا أحب الحكايات التي ألتقطها من هنا وهناك، خاصة حين أسافر، وأستقل قطارات وطائرات وعربات أجرة. لكن لا أحب ادعاء المعرفة، من دون معرفة، ولا اقتحام صمت الآخرين، وانزوائهم من دون ضرورة، وكم من مرة شاهدت مغنين وممثلين في المطارات، يضع الناس أيديهم على أكتافهم، ويلتقطون معهم الصور، ويؤخرونهم عن رحلاتهم، من أجل لا شيء، سوى ادعاء الصداقة الوطيدة في وسائل التواصل الاجتماعي، بأشخاص لم تلتق بهم سوى دقيقة واحدة.
نموذج الشخص الذي يسأل عن الجديد، ولا يعرف القديم، موجود أيضا في مجموعات القراءة، لكن هناك قد يرهق نفسه قليلا، بتتبع بعض المقالات أو التغطيات الصحفية، ليأتي في يوم نقاش الكتاب، يجلس باطمئنان ويسأل:
لماذا كان بطل الرواية مجرما، ولم يكن ضحية لمجرم آخر، أو لماذا جعلت الفتاة الجميلة تلك، تموت في منتصف الرواية، ولم توظفها حتى النهاية؟
الكاتب سيصدقه بكل تأكيد، لأن لديه بطلا مجرما، أو لديه فتاة جميلة داخل نص له، ماتت مبكرا، لأسباب واضحة في النص، سيشكره على القراءة، ولن يمضي معه بعيدا، وإن أحس هو أن الكاتب سيناقشه، اعتذر وانسحب لأي عذر.
ادعاء المعرفة أيضا قد يكون عند الأكاديميين المتخصصين في الأدب، الذين بالتأكيد ليس لديهم وقت لقراءة أو معرفة كل من كتب في العالم، هم يعرفون البعض وقرأوا للبعض، ويمكن أن يتحدثوا بطلاقة عن مشاريع دراساتهم التي أنجزوها، لكن يحدث عند البعض أن يخيل إليهم فجأة أن الجالسين معهم على الطاولة، في مهرجان أو لقاء أدبي ما، والذين لم يلتقوا بهم من قبل، ولا يعرفونهم، ليسوا في كفاءتهم، فيرمونهم بمعرفة متوهمة، لا يملكونها.
وكنت مرة في أحد المهرجانات في الشارقة، وجلست إلى طاولة فيها أكاديمي عربي، كان يردد أنه متخصص في نقد الروايات، وقرأ كل رواية صدرت في الوطن العربي، ويحمل في ذهنه أنطولوجيا ضخمة لكل الروائيين حتى لو كانوا كتبوا نصا واحدا فقط. أنا كان لدي نصوص كثيرة، ولم يبد على الرجل أنه يعرفني، أو وضعني داخل تلك الأنطولوجيا، ونبهه أحد إليّ ذاكرا اسمي، فارتبك الرجل، سألني: لا بد أنك جديد، سأتعرف على كتابك.
قلت: بالتأكيد، شكرا لك، وفهمت بالطبع وفهم غيري من الجالسين، أن ادعاء المعرفة كان على أشده، في تلك الطاولة.
أنا أؤمن بأن الإنسان عموما، له قدرات محددة، وله بالطبع اهتمامات محددة، والوجاهة الاجتماعية في بلادنا العربية، قد تحتم على أشخاص بسطاء، وحتى غير بسطاء، أن يدعوا الإلمام بكل شيء، ويدلوا بدلوهم في كل شيء. ودائما ما كنت صريحا في معرفتي بالآخرين، وأذكر أن شاعرا صديقا كتب رواية وجدت أصداء جيدة عند القراء، واقتنيتها لأقرأها، وتاهت وسط كتبي، ومضى أكثر من عامين، والتقيت بالرجل في دبي وجلسنا ندردش، وسألني فجأة: ما رأيك في روايتي يا أمير؟
قلت ببساطة: للأسف لم أقرأها حتى الآن بالرغم من أنها عندي.
وكان ذلك بداية لجفاء حدث بيني وبين الشاعر، الذي لم يرد أن يفهم، أن للإنسان قدرات معينة، وقد لا يملك وقتا كافيا، يؤهله للإلمام بكل شيء.
لا مانع لدي شخصيا أن لا يقرأني معارفي، لأي سبب من الأسباب، ولكن ما يزعجني كما قلت، هو امتلاك المعرفة المزعومة، ومحاولة إيجاد مكان لها في المجتمع ووسط الناس.

نقلاً عن القدس العربي


أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك لنا تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخبار السودان

تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

كتب – عطاف محمد مختار

علمت (السوداني) من مصادرها المطلعة، ان رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس؛ تعافى من وعكة صحية طارئة ألمت به أثناء زيارته للعاصمة السعودية، الرياض. وكان الدكتور إدريس قد أصيب يوم أمس الأول بمرض الملاريا، ما تسبب في مضاعفات صحية وإعياء شديد، استدعى نقله على الفور إلى مركز الملك فيصل التخصصي بالرياض.

وخضع رئيس الوزراء لفحوصات طبية شاملة وتلقى علاجاً مكثفاً تحت إشراف فريق طبي متخصص. وبعد تحسن حالته الصحية، غادر الدكتور إدريس المستشفى اليوم، ويقيم حالياً في مقر إقامته بالرياض، حيث يواصل فترة النقاهة.

واستقبل رئيس الوزراء اليوم زيارة من وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الذي اطمأن على صحته، ونقل إليه تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والأمنيات القلبية والدعاء له الشفاء العاجل وموفور الصحة.

وكان من المقرر أن يعقد الدكتور كامل إدريس لقاءً رسمياً مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يوم أمس، إلا أن الوعكة الصحية ودخوله المستشفى أديا إلى تأجيل اللقاء. وتجري الآن ترتيبات لعقد الزيارة في موعد لاحق.

يُذكر أن زيارة رئيس الوزراء إلى المملكة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأعرب الدكتور إدريس عن شكره وتقديره للعناية الطبية المتميزة التي تلقاها، وللدعم والتضامن الذي أبدته القيادة السعودية مع السودان.

أكمل القراءة

اخبار السودان

السودان..انضمام قوّة من العدل والمساواة لتحرير السودان – السودان الحرة

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم: السودان الحرة

للقتال إلى جانبها ضد ميليشيا الدعم السريع.

أعلنت حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، عن انضمام مجموعة منشقة من حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل إلى صفوفها

أكمل القراءة

اخبار السودان

النائبة العامة: السودان طالب بإنهاء بعثة تقصي الحقائق لثقته بجهازه القضائي المستقل

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

بورتسودان – السوداني

وصلت صباح اليوم إلى مطار بورتسودان، النائبة العامة ورئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في الجرائم والانتهاكات، انتصار أحمد عبد العال. وفي تصريح صحفي عقب وصولها، أعلنت أن السودان طالب رسمياً بإنهاء عمل بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، مؤكدة أن وجود جهاز قضائي مستقل وقدرة الدولة على إجراء محاكمات عادلة يغني عن استمرار عمل البعثة.

وأوضحت النائبة العامة أن وفد السودان قدم خلال الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان، بياناً شاملاً يعكس التزام الدولة بسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان. واستعرض البيان، الجهود الوطنية لمعالجة الانتهاكات، مع التركيز على الجرائم الجسيمة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، بما في ذلك العنف الجنسي، التهجير القسري، جلب المرتزقة، الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات وثّقت بدقة من خلال إحصاءات وإحالات جنائية.

وأضافت أن اللجنة الوطنية تواصل متابعة هذه الانتهاكات، حيث تجري تحقيقات في قضايا قيد التحري وتحيل أخرى إلى المحاكم، في إطار عمل قضائي مستقل وعادل يعزز سيادة السودان على أراضيه. كما دعا البيان السوداني المجتمع الدولي إلى الضغط على دولة الإمارات لوقف دعمها للمليشيا المتمردة، والتصدي لعمليات تجنيد وتدريب المرتزقة.

وأشارت إلى أن وفد السودان التقى رئيس مجلس حقوق الإنسان، حيث قدّم بيانات وأرقاماً دقيقة حول الانتهاكات، وحُظي بإشادة رئيس المجلس بجدية مشاركة السودان. كما عقد الوفد، اجتماعاً مع المفوض السامي لحقوق الإنسان، ناقش خلاله تفاصيل البيان والإجراءات المتخذة، وأثنى المفوض على جهود اللجنة الوطنية في إعداد تقارير مفصلة.

وختمت النائبة العامة، تصريحها بالتأكيد على التزام السودان بتطبيق العدالة وفق القوانين الوطنية، معربةً عن ثقتها في قدرة الجهاز القضائي على التعامل مع الانتهاكات بكفاءة ونزاهة.

أكمل القراءة

ترنديج