Connect with us

اخبار السودان

أيـَّامُ كارلوسِ في الخُرْطُوم (حِكَايَة لَمْ تُروَ) – السودان الحرة

نشرت

في


مشهد (1)
نظرة أخيرة ألقاها كارلوس على جبال عمَّان، سحب بعدها نفساً عميقاً قبل أن يدلف إلى مطار علياء الدولي… الله وحده يعلم إذا ما كانت ستتكحَّل عيناه برؤية تلك الجبال مرة أخرى أم لا. مسح كارلوس المكان بعينيه جيِّداً فعرف كل شيء، فابتسم… سِتُ عُيونٍ تُراقبُ تحرُّكاته بدقة وربَّما أكثر، هذا ما أدركه للوهلة الأولى. عَبَرَ البوابة الأولى لداخل المطار برفقة زوجته الأردنيَّة الفارعة الجميلة، ”لبنى التاجي“ بعد أن اُخضِعَ لتفتيشٍ دقيق، لم يتضجَّر منه كما كان يفعل دائماً. وقبل أن يعبُر البوابة النهائية، سمع بكاءً ونشيجاً خليطاً من أصواتٍ لطالما سمع أصداؤها تتردَّد بين الجبال… إنهم الرُفاق، كيف جاءوا؟! ومن أين عرفوا أنه مغادر؟! قذف بحقيبته على الأرض وهرول إلى حيث هُم، ليُلقي بنفسه بين أحضانهم ويبكي بكاءً مرَّاً. دُهش المسافرون من حال الرجال الخمسينيين الذين يبكون كالأطفال وهُم يتعانقون، والسِت أعيُن التي ظلَّت تراقب الموقف من بعيد، بلغ بها التوتر مبلغاً عظيماً… نداءٌ أوَّل للطائرة كان كفيلاً بانتزاع ”عبدالله بركات“ من أحضان رفاقه القدامى ليمضي باتجاه زوجته، واضعاً قُبلة الختام على خدَّيها، ثمَّ توقف ليُلقي نظرة على جسدها الفارع… لقد أربكتها تلك النظرة أياماً طوالا… ”عبدالله بركات“ هو الاسم الذي اختارته المُخابرات الأردنيَّة لـ”لينتش راميريز سانشيز“… ”كارلوس“ اسمٌ من أسمائه العديدة التي ظلَّ يُغيِّرها لأغراضٍ ما في لحظة ما، وما أكثر ما غيَّر الزمان والمكان والمُخابرات اسمه وشكله وهويته.

مشهد (2)

بالمطار، ساد قلقٌ بالغ لم يشعُر به أحد. كل شيء منظم تنظيماً دقيقاً… ثلاثة أجهزة مخابرات متباعدة تسجِّل ما يجري دون أن تتحدَّث لبعضها أو تتقاطع مهمَّتها. كان كارلوس على الأردنيين عبئاً ثقيلاً منذ أن دُفِعَ إليهم به من سوريا، حينما قرَّر حافظ الأسد فكَّ ارتباطه بالجماعات الإرهابية. فدفع بـ”كارلوس“ ورجاله إلى الأردن. ورغم علم المخابرات الأردنية بأن ضيفاً ثقيلاً قد حلَّ بين ظهرانيهم، إلا أنهم ما كانوا يستطيعون أن يرُدُّوه أو يتخذوا ضده إجراءً، لأن لـ”كارلوس“ دَيْنٌ قديمٌ في رقبة العائلة المالكة، ليس سهلاً عليها التنكُّر له… سيطر القلق على رجال المخابرات الفرنسيَّة الذين ظلوا خلف طريدتهم ”كارلوس“ منذ السبعينيات. فلفرنسا ثأرات مع كارلوس ورفاقه. تحرَّك رجال المخابرات الفرنسيَّة قريباً من كارلوس بتوتر بدا واضحاً للأردنيين الذين تخوَّفوا من تصرُّفٍ في اللحظة الأخيرة يُفسِدُ عليهم ما خططوا له لسنوات، ولذا بدأت مراقبتهم لتحرُّكات رجال المخابرات الفرنسية أكثر من مراقبة كارلوس نفسه.

على مسافة ليست بعيدة عن مسرح الأحداث التي تجري في تلك اللحظات، كان أفراد المخابرات الأمريكية يأخذون ركناً قصيَّاً مكتفين بمراقبة تحرُّكات الجميع، ولا يبدو عليهم قلق أو توتر بسبب أن الإرهاب حتى تلك اللحظة لم يكُن على قمَّة أولويات أمريكا، رغم أن نقاشاً حوله قد بدأ في أروقة السياسة والمخابرات الأمريكية. ثم إن كارلوس لم يكن يعني شيئاً لأمريكا، ولكن أفراد الـ”سي آي ايه“ يجب أن يكونوا هنالك، فالمعلومات حول أخطر شخصيَّة إرهابيَّة في السبعينيات مطلوبة بشدَّة، ثم إن تغطية عملية مطار علياء حيث يجري ترحيل كارلوس الآن لهو أمرٌ شديد الحيوية، وخاصة أن الأردن هي محطة رئيسيَّة من محطات الـ”سي آي إيه“. فمثل تلك العمليات الكبرى لا يمكن أن تجري بعيداً عن أعيُن أكبر جهاز مخابرات بالأردن.

مشهد (3)

بدا كارلوس يراقب تحرُّكات الأعيُن السِتْ التي تراقبه في ظلِّ وجود مهمَّة لا زالت تنتظره، ولا يدري كيف ستحدُث ولا من سيقوم بها، وأكثر ما كان يقلقه هو أن وجوده في مقرِّه الجديد سيكون في خطر، خاصة في ظلِّ هذه المراقبة المخابراتية لقصة سفره. فالجميع يراقب الآن ويعرف وجهته القادمة، فإذا لم يحدث ما خطط له مع الرفاق سيكون وجوده هنالك في خطر.

الرفاق كانوا قد بثوا إليه أن تنفيذ الاتفاق سيتم في اللحظة المناسبة وعليه ألاَّ يقلق… ولكن متى، وهو الآن مقبل على حيث الختم النهائي لجوازه، بعده لن يكون ممكناً فعل أي شيء. قلقٌ بالغ سيطر عليه في تلك اللحظات. في الصف الجوازات رفع رأسه محتاراً ليرى ماذا سيفعل الرفاق وهو على مقربة من خط النهائي. لا شيء، لا شيء على الإطلاق… في اللحظة التي سلَّم فيها الجواز لضابط الجوازات الأردني ليختمه، أيقن أن الرفاق خذلوه وانه منذ الآن عليه أن يكافح قَدَرَهُ وحده، وشعر بضيقٍ شديد وهو ينظُرُ لعيني الضابط وهو يقلب صفحات جوازه.

ختم الضابط الجواز بشدَّة، وبسرعة مدهشة سحب جوازاً آخر – ليس أردنياً – ليضعه تحت الجواز الأردني ويسلمه لكارلوس، قائلاً: «بالسلامة يا رفيق»!! جَرَت دمعة على خد كارلوس… لقد أدرك الآن أن رفاقه لم يتخلوا عنه، وأنهم فعلوا بطريقتهم المُدهشة ما كان ينبغي أن يفعلوه، وها قد فعلوه في اللحظة المناسبة. أخذ كارلوس جوازه الجديد لسُترته الداخلية ومضى لصالة المغادرة النهائية التي تقود لمدخل الطائرة مباشرة.

مشهد (4)

أُصيب الجميع بارتبكاك حينما أطلَّ بدهاليز المطار وزير الخارجية السوداني وبصُحبته رجال المخابرات السودانية المعروفين لدى الأجهزة الأخرى بالأردن. لم يعرف رجال المخابرات السودانيين سر الأسئلة الكثيرة التي تدفَّقت عليهم لأيامٍ بعد مغادرة وزير الخارجية من جهاتٍ عديدة، إلا بعد سنوات.

مشهد (5)

نهض ”عبدالله بركات“ من كرسيِّه ليقف متأمِّلاً المشهد الأخير بالمطار، وحركة الطائرات التي لا تهدأ بمطار علياء الدولي. سرح وهو ينظر بعيداً عبر الزجاج متذكراً لحظات عصيبة عاشها بالمطار. حين رفع رأسه ليرى صورة الملك عبدالله بن الحسين تحيط بالمكان ابتسم إذ انه عرف لهذا الرجل معروفاً لا يزال يتذكره ويذكره لجميع الذين قابلوه من بعد. لقد آواه الملك عبدالله بأريحية كاملة حين جاءه طريداً من سوريا. الملك حسين كان يرد جميلاً لكارلوس. القصة التي تُروى هي أن الملك عبدالله الثاني ملك الأردن الحالي كان على وشك أن يقع فريسة لعملية اختطاف دبَّرتها مجموعة إرهابية في الأردن وكان لكارلوس الدور الأساسي في إيصال هذه المعلومة للملك حسين، الشيء الذي أنجى الملك عبدالله الثاني من عملية اختطاف محققة، وفتح الطريق لتعود العلاقة بين جماعة كارلوس والأردن مرَّة أخرى. ولذا حين زار الملك عبدالله الثاني باريس في العام 1999م، بعث كارلوس إليه برسالة مذكراً إياه بتلك الواقعة وطالباً الأمان لزوجته الأردنية لبني التاجي قائلاً: «إنني أشكر المولى لأنه وجَّه خطاي، حين قُمتُ بإجهاض عملية اختطاف كانت تستهدف شخصكم سنة 1971م مما سمح لنا بالصُّلح مع والدكم في العام 1991م».

قطع النداء الأخير للمسافرين على الطائرة الأردنية المتجهة للخرطوم حبل أفكار عبدالله بركات، فلملم شتات أفكاره وبعض أمتعته التي سيحملها لداخل الطائرة، وعَبَرَ بوابة الطائرة مسرعاً لمقعده. تفقد بنظره المكان بسرعة كعادته، مدققا فى وجوه المسافرين، محدِّداً مداخل ومخارج الطائرة، وارتاح لاختفاء الأعين السِتْ التي ظلَّت تراقبه حتى لحظة دخوله الطائرة. لم يلبث إلاَّ لحظات قليلة حتى جلس بجانبه دبلوماسي سوداني، ثم بدأ يثرثر عن عمله وحياته وأسرته دون توقف، باذلاً معلومات قيِّمة لعبدالله بركات سيستفيد منها لاحقاً. ما عرفه عبدالله بركات استفاد منه فعلاً، أن وزير الخارجية السوداني معهم على نفس الطائرة، وهي المعلومة التي أذاعها كارلوس لاحقاً متهماً السلطات السودانية بأنها كانت تعلم بقدومه إلى السودان.

مشهد (6)

بالخارج، تنفَّس رجال المخابرات الأردنية الصعداء وهم يشاهدون الطائرة تصعد إلى الأجواء، وبجوفها أكثر الشخصيات التي تثير قلقاً ليس في الأردن فحسب، بل في العالم، وتُلقي عبئاً ثقيلاً عليهم. ما أن طار وأقلعت الطائرة، حتى طار الخبر لباريس، واستلم رجل المخابرات الفرنسي الذكي ”فليب راندو“ البرقية على عجل، وكان أكثر الناس سعادة، إذ إن ما عمل له أخيراً ها هو يتحقق في هذه اللحظات. أخذت الـ”سي آي ايه“ علماً وطوت ملفاتها وحفظتها ليوم سيأتي قريباً. كان على المخابرات الفرنسية قبل أن ترفع تقريرها كاملاً لمن يعنيه الأمر أن تُكمل عملها، ولم تتبقَّ لها سوى لقطة أخيرة هي الآن بانتظارها من الخرطوم.

مشهد (7)

بمطار الخرطوم، أعلن عن وصول الطائرة الأردنية، وكان أول المغادرين السيد وزير الخارجية. لقطة أولى… مباشرة بعد الوزير، أطلَّ كارلوس… لقطة ثانية… كانت هذه الصورة ينتظر رجال المخابرات الأردنيين ليرسلوها بسرعة لباريس: «مستر فليب راندو: ”انتهت مهمتنا وبدأت مهمتكم بالخرطوم… بالتوفيق“».
يتبع


أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك لنا تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخبار السودان

في بريد والي الخرطوم

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

السيد والي ولاية الخرطوم، نحن سكان محلية شرق النيل عامة ومدينة حلة كوكو خاصة، نرفع إليك شكوانا بعد أن تملكنا اليأس والقنوط من تنفيذي محلية شرق النيل، ونرجو منكم شاكرين بتوفير حد أدنى من مقومات الحياة بالمنطقة، علماً بأنّ أهالي المنطقة ظلوا صامدين ومرابطين بها والى قبيل تحريرها بواسطة قواتنا الباسلة بعد أن أبلوا بلاءً حسناً نسأل الله ان يتقبل منهم جهادهم وعلى اياديهم يكتمل تحرير كل شبر من أرض السودان من مليشيا آل دقلو الإرهابية قاتلي الأطفال، مغتصبي النساء.

تعاني المنطقة من غياب تام لأي دور أو عمل تقوم به المحلية وكلما طرقنا أبوابها قالو لنا إن الدولة مفلسة ونحن مُعدمون ولا نستطيع تقديم ادنى خدمة، حتى حملات رش البعوض والذي كان بأمر الولاية قاموا بجمع مبالغ مالية منا مقابل الخدمة، كما اننا قمنا بتوصيل آبار مياه الشرب بمنظومات طاقة شمسية من الجهد الشعبي وصيانة مدرسة حلة كوكو بمجهود ذاتي، واليوم تفتك بنا حمى الضنك ومكافحة نواقل الأمراض، وهو أمرٌ يحتاج الى جهد الدولة وليس فردياً، وكما لا يخفى عليكم تراكم الأوساخ وتدهور البيئة بكل أحياء المحلية وخاصة بعد الأمطار، مما زاد الامر تعقيداً، ونشكو الى الله ثم اليكم كثرة الذباب والبعوض، وحتى تناثر السيارات المحروقة على الساحات وداخل البيوت المهجورة والطرقات العامة وتم سحب القليل منها من الشارع العام، وفي حالة الذهاب لرئاسة المحلية يجب عليك أن تتحسس جيبك الخالي والا قبل ان تتحدث لا يبالي موظف المحلية بمطالباتك بأموال طائلة، ومعللين ومشتكين بأنهم لا يملكون حتى جالون وقود لتحريك المركبات.
وكما أن عربة المدير التنفيذي تجول صباح مساء بلا فائدة وكأنه يحث الناس على الخروج على الدولة ويشكو الحكومة للمواطن الذي يأتيهم شاكياً حتى انعدمت الثقة تماماً بإدارة محلية شرق النيل والتي فشلت حتى في تشغيل السوق العتيق سوق حلة كوكو والمرافق الصحية التي تجعل اللاجئين والنازحين أن يعودوا الى بيوتهم وأعمالهم.

السيد الوالي احمد عثمان حمزة، كيف لمنطقة لا يوجد بها سكان وان تعود إليها المياه والكهرباء مثالا لذلك كافوري مربع 4 ويأتيك الرد بلا خجلة بأن أهلها (واصلين) هل بابكم مفتوح لأهل الحظوة من الناس ومغلق على الآخرين؟ هل تعامل المواطنين مبنيٌّ على التمييز بين سكان المناطق ومناصبهم في الدولة؟ هل انسان كافوري مكرم على انسان مناطق أخرى؟

السيد الوالي اللهم إنا قد أبلغناك بالقصور المتعمد من قِبل محلية شرق النيل وقد تعثرنا بالنفايات والجبايات والعربات الملقاة على الطرقات وتفشي المحسوبية – وتحت التربيزة – داخل كل ركن من الوحدات الإدارية للمحلية وغياب موظفيها وعدم تعاونهم ولا حتى بكلمة طيبة تشرح النفس وتجعلك تنظر إلى غدٍ أفضل.

وكما لا حظنا اهتمامكم المفرط تجاه محليات أم درمان وعدم اهتمامكم بشرق النيل مطلقاً؟ فهل إهمال شرق النيل يأتي من قبلكم، وموظفو المحلية لا دخل لهم بذلك؟

*مواطنو حلة كوكو

أكمل القراءة

اخبار السودان

قرار للبرهان تجاه مسؤول في بنك شهير – السودان الحرة

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم: السودان الحرة

وفق وكالة السودان الرسمية.

أصدر  رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبدالفتاح البرهان اليوم قراراً قضى بإعفاء النور عجبنا عز العرب إسماعيل من منصبه كنائب لمحافظ بنك السودان المركزي.

ووجه البرهلن بنك السودان والجهات المعنية الأخرى بوضع القرار موضع التنفيذ.

 

أكمل القراءة

اخبار السودان

الحزب الشيوعي بالعاصمة يطالب محلية أم درمان بتسليم داره وتحديد موعد عاجل

نشرت

في

أخبار | السودان الحرة

الخرطوم – ااسوداني

أعلن الحزب الشيوعي بالعاصمة الخرطوم، انه تقدم بمذكرة رسمية إلى المدير التنفيذي ورئيس اللجنة الأمنية لمحلية أم درمان، مطالباً بتحديد موعد عاجل لتسليم دار الحزب الكائن بالعقار رقم 1933 مربع 3/4 بأم درمان، والذي يقع ضمن نطاق اختصاص المحلية.

وأوضح الحزب في مذكرته أن الدار، التي تم الاستيلاء عليها واستخدامها من قبل إحدى الوحدات النظامية، تحتوي على ممتلكاته من أثاث ومعدات كهربائية بالطابق الأرضي، إلى جانب إذاعة كاملة بمعداتها وأثاثها بالطابق العلوي.

وأشار السكرتير السياسي للحزب بالعاصمة القومية، محمد مختار محمود، إلى أن الحزب أغلق الدار بسبب ظروف الحرب، تاركاً وراءه هذه الممتلكات.

وأكد مختار في المذكرة أن الحزب يسعى الآن للعودة إلى داره واستلام جميع ممتلكاته التي تُركت خلفه، مطالباً الجهات المختصة بالتعاون لتسهيل هذا الإجراء في أقرب وقت ممكن.

يذكر أن الحزب الشيوعي يعتبر هذه الخطوة جزءاً من جهوده لاستعادة نشاطه التنظيمي في العاصمة القومية بعد فترة من التحديات التي فرضتها الظروف الأمنية.

أكمل القراءة

ترنديج