لعبت المسيّرات دوراً محورياً في الحروب التي حصلت في العامين الماضيين، بمناطق عدّة من العالم، كما انبرت المعامل ومراكز البحوث وتطوير السلاح بالعمل، لزيادة إنتاج الدرون وتطويرها لتصبح أكثر فاعلية، مما جعلها تحرز نتائج فعالة جداً في الحروب والمعارك وتؤثر على ميزان القوى.
وفي هذا السياق ازدادت التقارير الإعلامية والاستخباراتية في الآونة الأخيرة حول دور أوكراني تخريبي في القارة الأفريقية متمثلاً بدعم جماعات مسلًحة ومتمردة بالطائرات المسّيرة المتطورة، والمقاتلين والخبراء، في عدّة دول أفريقية، بإشراف وتنسيق من سفارات كييف هناك، مما ساهم ويسهم بشكل ملحوظ بزعزعة الاستقرار في الدول المستهدفة ويهدد أمنها بشكل مباشر.
الخارجية السودانية: كييف تدعم المتمردين والجماعات المسلحة بأفريقيا
في سياق متصل، أكد المسؤول بوزارة الخارجية السودانية محمد السر، في مقابلة مع قناة RT الروسية، تورط أوكرانيا بدعم المسلحين في السودان والصومال والنيجر وليبيا. وصرح السر، بأن “كييف تقوم بعمل قذر لصالح الغرب. فهي تدعم منظمات مثل بوكو حرام وحركة الشباب في الصومال، والدعم السريع في السودان، وتزودها بطائرات مسيّرة بأسعار منخفضة للغاية”.
وكان السر قد صرّح بوقت سابق، بأن أوكرانيا تزوّد الإرهابيين في السودان بطائرات بدون طيار وتساعدهم على ضرب البنية التحتية للبلاد. وقال: “بدأ الأوكرانيون بتقديم المساعدة لهذه المجموعة منذ حوالي 7-8 أشهر، وجاء تدخلهم بسبب صعوبة استخدام المتمردين لهذه التكنولوجيا بشكل مستقل.”
وكان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”. وقبل صبح، كان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، كتب عبر صفحته على فيسبوك، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لـ”الدعم السريع”. وبحسب يفلاش فإن: “كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا”.
تقارير: كميات كبيرة من المسيّرات الأوكرانية تذهب لجماعات مسلّحة أفريقية
في سياق ذو صلة، أكد معهد ISS للدراسات الأمنية في تقرير له، صدر بداية يونيو الحالي، بأنه “حتى الوقت الحالي حصلت حوالي 9 جماعات مسلحة في أفريقيا على طائرات مسيّرة عسكرية الصنع في بوركينا فاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وليبيا، ومالي، وموزمبيق، ونيجيريا، والصومال، والسودان. وهذا يشير إلى تزايد احتمالات استخدام الطائرات بدون طيار في مهام متعددة”.
بدوره، أكد موقع “كييف إنديبيندنت” المتخصص بالشؤون الأوكرانية في تقرير له، ارتفاع إيرادات شركات الطائرات بدون طيار الأوكرانية منذ عام 2023. ونقل الموقع معلومات مؤكدة عن تصدّر العديد من الدول الأفريقية قائمة الدول الأكثر استيراداً لهذه الطائرات.
وبحسب الموقع، فإن تقرير من داخل الشركة المصنعة لمسيّرات TAF كشف عن بيانات حول حجم صفقات المسيرات التي تم إرسالها إلى عدد من الجماعات المسلحة في أفريقيا، واصفاً إياه بالكبير جداً.
وبحسب التقرير، فقد تصدرت جماعة “نصرة الاسلام والمسلمين” الإرهابية، والتي تنشط بدول الساحل الأفريقي، وخاصة في مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو قائمة المستوردين للمسيّرات الأوكرانية بـ ألف مسيّرة في أواخر عام 2024 فقط. يليها “تنظيم الدولة الإسلامية” الإرهابي في غرب إفريقيا بـ 700 مسيّرة في العام ذاته. كما تحدثت بعض التقارير في وقت سابق، عن حصول مقاتلي حركة “الشباب الإرهابية” الصومالية على درونات وطائرات مسيّرة أوكرانية.
مخاطر تزويد أوكرانيا للجماعات المسلحة بالمسيّرات
بحسب الباحث المتخصص بالشؤون الأفريقية محمد علي الأحمر، فإن قادة كييف وبعد فشلهم عسكرياً بإيقاف تقدم الروس، وخوفهم من فقدان السلطة، قرروا تحويل قواتهم للقتال بأفريقيا لتحقيق مصالح دول غربية. مما حوّل أوكرانيا إلى داعم مباشر للجماعات الإرهابية ومموّل لها. واعتبر الأحمر بأن المنهجية الأوكرانية بدعم الجماعات المسلحة ستؤدي لعواقب وخيمة. فتزويد حركة الشباب الصومالية بالمسيّرات، سوف يعزز من قوتها عسكريًا ويدعم عمليات القرصنة البحرية، ويهدد حركة الملاحة العالمية، إلى جانب تأجيجه للصراع داخل الصومال.
أما في السودان فقد أشار تقرير سري صادر عن جهات أمنية أوكرانية، إلى أن “هجمات الطائرات المسيّرة التي تشنها القوات الأوكرانية المتخصصة هي التي تُلحق الضرر الأكبر والرئيسي بقوات الجيش السوداني، وتُعيق تقدمها، وتحرم الجيش السوداني من المبادرة والعمليات الاستراتيجية النوعية، وتطيل أمد الحرب”.
وبحسب مركز ISS للدراسات، فإن خطورة المسيّرات لا تكمن فقط بأنها توفر معلومات استخباراتية وقوة قاتلة، بل أيضاً، تُمكّن الجماعات المسلحة من تعزيز قدراتها بالحرب الدعائية والنفسية نشرها على نطاق واسع. محذراً من أن انخفاض أسعار الطائرات المسيّرة ونقل الخبرة بين الجماعات المسلحة الإرهابية يزيد من احتمالية دمجها في ترساناتها.
وأضاف تقرير المعهد، بأنه إلى جانب الضرر المادي الذي تُلحقه الطائرات بدون طيار، هناك قيمتها الدعائية. فمجرد الادعاء باستخدام الطائرات المسيرة يُرسل رسالة نفسية بالغة الأهمية. ووفقاً لماريا لويز كلاوسن من المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، فإن “المكانة والهيبة المرتبطتين بامتلاك الطائرات المُسيّرة يُمكن أن تُصبح في حد ذاتها هدفاً رئيسياً”.
وبحسب التقرير، في منطقة الساحل الأفريقي، تُجري جماعات مثل “بوكو حرام” وتنظيم “داعش” بغرب أفريقيا تجارب على مقاطع فيديو دعائية تُنشر عبر طائرات مسيّرة. حيث أن هذه المقاطع “لا تُستخدم فقط كأداة للتجنيد، بل أيضًا لإظهار البراعة التكنولوجية، مما يُعزز شرعية الجماعة وقوتها”.
بإشراف من سفارات كييف.. تحضير لأعمال إرهابية في مالي بتنسيق أوكراني-فرنسي
وكانت وسائل إعلام محلية في مالي، في 5 حزيران الحالي، أعلنت بأن الجيش المالي كشف معلومات حول تحضير “إرهابيين” لـ “عملية كبيرة” في مقاطعة كيدال في إقليم أزواد، وذلك بدعم من مدرّبين أجانب بينهم أوكرانيون وفرنسيون. وأضافت المصادر، بأن سفارة أوكرانيا في نواكشوط “أدّت دوراً رئيسياً في تنظيم نقل المسلحين الأوكرانيين، والأسلحة للإرهابيين في البلاد”. حيث سلّمت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، “الإرهابيين” في البلاد، مسيّرة من طراز “مافيك”، مزوّدة بنظام إطلاق.
وكانت جمهوريتا مالي والنيجر قد أعلنتا في 4 و6 أغسطس الماضي، على التوالي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بسبب دعم الأخيرة للجماعات الإرهابية. وخاصة بعد إقرار المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف حينها بضلوع أوكرانيا في هجوم أسفر عن مقتل جنود ماليين وبعض المدنيين. وفي 7 أغسطس، ناشدت مالي والنيجر مجلس الأمن الدولي التحقيق في تقارير تفيد بدعم أوكرانيا للجماعات المتمردة في شمال مالي.